للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجنِّ. قال: أجَلْ، قال: فكيفَ كان؟ فذكر الحديثَ كلَّه، وذكَر أن النبيَّ خطَّ عليه خطًّا وقال: "لا تَبْرَحْ منها". فذكَر أن مثلَ العَجاجةِ (١) السوداءِ غشِيَت رسولَ اللهِ ، فذُعِر ثلاثَ مرَّاتٍ، حتى إذا كان قريبًا من الصبحِ أتاني النبيُّ ، فقال: "أنِمْتَ؟ قلتُ: لا والله، ولقد همَمتُ مِرارًا أن أَسْتَغِيثَ بالناسِ، حتى سمِعتُك تَقْرَعُهم بعصاك، تقولُ: "اجلِسوا". قال: "لو خرَجتَ لم آمَنْ أن يتخطَّفَك (٢) بعضُهم". ثم قال: "هل رأيْتَ شيئًا؟ ". قال: نعمْ، رأيتُ رجالًا سودًا مُسْتَثْفِرى (٣) ثِيابٍ بياضٍ. قال: "أولئكِ جنُّ نَصِيبينَ، سألوني المتاعَ - والمتاعُ الزادُ - فمتَّعتُهم بكلِّ عظْمٍ حائلٍ (٤) أو بعْرةٍ أو رَوْثةٍ". فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما يُغنى ذلك عنهم؟ قال: "إنهم لا يجِدون عَظْمًا إِلَّا وجَدوا عليه لحمَه يومَ أُكِل، ولَا رَوْثَةً إلا وجَدوا فيها حَبَّها يومَ أُكِلتْ، فلا يَسْتَنقِيَنَّ أَحدٌ منكم إذا خرَج من الخلاءِ بعظْمٍ ولا بَعْرةٍ ولا رَوْثةٍ" (٥).

حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن عبدِ الحكمِ، قال: أخبَرنا أبو زُرْعةً وهبُ اللهِ بنُ راشدٍ، قال: قال، يونسُ، قال ابن شهابٍ: أخبَرنى أبو عثمانَ بنُ سَنَّةَ (٦) الخزاعيُّ - كان من أهلِ الشامِ - أنَّ ابنَ مسعودٍ قال: قال رسولُ اللهِ لأصحابِه وهو بمكةَ: "من أحبَّ منكم أن يَحْضُرَ أمرَ الجنِّ الليلةَ فليَفْعَلْ". فلم يَحْضُرُ منهم أحدٌ غيرِى. قال: فانطلَقْنا حتى إذا كنَّا بأعلى مكةَ خطَّ لى برجلِه خطًّا، ثم أمَرني أن أجْلِسَ فيه،


(١) العجاج: الغبار، واحدته عجاجة. التاج (ع ج ج).
(٢) في م: "يختطفك".
(٣) في م: "مستشعرى". والاستثفار: أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه كما يفعل الكلب بذنبه. النهاية ١/ ٢١٤.
(٤) الحائل: المتغير اللون من كل شيء من حال لونُه، إذا تغير واسودَّ. التاج (ح و ل).
(٥) ذكرُه ابن كثير في تفسيره ٧/ ٢٧٦ عن المصنف، وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده - كما في المطالب العالية ٩/ ٦٥ من طريق معمر به.
(٦) في م: "شبة"، وفى ت ١: "شينة". وينظر المشتبه ١/ ٣٨٩.