للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحُكِى عن البصريِّ أنه كان يَأبَى إدخالَ "إلَّا"، وأنَّ النحويين من أهلِ الكوفةِ يُجيزونه، ويَقولون: ما ظننتُ أنَّ زيدًا إلَّا قائمًا، وما ظننتُ أنَّ زيدًا بعالمٍ. ويُنْشِدُ:

ولستُ بحالفٍ لَوَلَدْتُ مِنهم … على عمِّيَّةٍ إِلَّا زيادا

قال: فأدخل "إلَّا" بعدَ جوابِ اليمينِ. قال: فأمَّا: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ﴾. فهذه لم تَدْخُلْ إِلَّا لمعنًى صحيحٍ، وهي للتعجُّبِ، كما تقولُ: لظَرُفَ بزيدٍ. قال: وأمَّا: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾. فأجمَعوا على أنها صلةٌ.

وأشبهُ الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: دخَلت الباءُ في قولِه: بِقَدِرٍ للجَحْدِ؛ لما ذكرنا لقائلي ذلك من العِلل.

واختلَفت القرَأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿بِقَادِرٍ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الأمصارِ غيرَ أبي إسحاقَ والجَحْدَريِّ والأعرجِ: ﴿بِقَادِرٍ﴾. وهى الصحيحةُ عندَنا؛ لإجماعِ قرَأةِ الأمصارِ عليها.

وأما الآخرون الذين ذكَرْتُهم فإنهم فيما ذُكِر عنهم كانوا يَقْرَءُون ذلك: (يقدِرُ) بالياءِ (١).

وقد ذُكِر أنه في قراءةِ عبد اللهِ بن مسعودٍ: (أنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ قادرٌ) بغيرِ باءٍ (٢). ففى ذلك حجةٌ لمن قرَأه: ﴿بِقَادِرٍ﴾ بالباءِ والألفِ.

وقولُه: ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: بلى، يَقْدِرُ الذي خلَق السماواتِ والأرضَ على إحياءِ الموتى. أي: الذي خلَق ذلك على كلِّ شيءٍ شاء خلْقَه وأراد فعْلَه، ذو قدرةٍ لا يُعْجِزُه شيءٌ أرادَه، ولا يُعْيِيه شيءٌ أراد فِعْلَه


(١) وهى قراءة يعقوب من العشرة، وهى قراءة متواترة. النشر ٢/ ٢٦٦، وبها قرأ أيضا زيد بن علي وعمرو بن عبيد وعيسى. البحر المحيط ٨/ ٦٨.
(٢) ينظر تفسير القرطبي ١٦/ ٢١٩.