للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾. إنما هو خيرٌ من اللهِ جلَّ ثناؤُه نبيَّه عن جزائِه له على شكرِه له على النعمةِ التي أنْعَم بها عليه، من إظهارِه له ما فتَح؛ لأن جزاءَ اللهِ تعالى عبادَه على أعمالِهم دونَ غيرِها.

وبعدُ، ففى صحةِ الخبرِ عنه أنه كان يَقومُ حتى تَرِمَ قدماه، فقيل له: يا رسولَ اللهِ، تَفْعَلُ هذا وقد غُفِر لك ما تقَدَّم مِن ذنبِك وما تأخَّر؟ فقال: "أفلا أكُونُ عبدًا شَكورًا؟ " (١). الدَّلالُة الواضحةُ على أن الذي قلنا من ذلك هو الصحيحُ مِن القولِ، وأن الله إنما وعَد نبيَّه محمدًا غفرانَ ذنوبِه المتقدمةِ فَتْحَ ما فَتَح عليه، وبعده، على شكرِه له على نِعَمِه التي أَنْعَمَها عليه.

وكذلك كان يقولُ : "إنى لأَسْتَغْفِرُ اللهِ وأتوبُ إليه في كلِّ يومٍ مائةَ مرةٍ" (٢). ولو كان القولُ في ذلك أنه مِن خبرِ اللهِ تعالى ذكرُه نبيَّه أنه قد غفَر له ما تقَدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، على غيرِ الوجهِ الذي ذكَرْنا، لم يَكُنْ لأمرِه إياه بالاستغفارِ بعدَ هذه الآيةِ، ولا لاستغفارِ نبيِّ اللهِ ربَّه مِن ذنوبِه بعدَها - معنًى يُعْقَلُ؛ إذ الاستغفارُ معناه طلبُ العبدِ مِن ربِّه ﷿ غفرانَ ذنوبِه، فإذا لم يَكُنْ ذنوبٌ تُغْفَرُ، لم يَكُنْ لمسألتِه إياه غفرانَها معنًى؛ لأنه من المُحالِ أن يُقالَ: اللهمَّ اغْفِرْ لى ذنبًا لم أَعْمَلُه.

وقد تأوَّل ذلك بعضُهم بمَعْنى: ليَغْفِرَ لك ما تقدَّم مِن ذنبِك قبلَ الرسالةِ، وما تأخَّر إلى الوقتِ الذي قال: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ الله


(١) أخرجه الطيالسى (٧٢٨)، والبخارى (١١٣٠، ٤٨٣٦، ٦٤٧١)، ومسلم (٢٨١٩)، وغيرهما من حديث المغيرة بن شعبة، وأخرجه مسلم (٢٨٢٠) من حديث عائشة.
(٢) أخرجه أحمد (٢٩/ ٣٩٠، ٣٩١ (١٧٨٤٧، ١٧٨٤٨)، ومسلم (٢٧٠٢)، من حديث الأغر المزنى.