للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النفاقِ، بل لم يَزَلِ اللهُ بما يَعْمَلُون مِن خيرٍ وشرٍّ خبيرًا، لا يَخْفَى عليه شيءٌ مِن أعمال خلقه؛ سرِّها وعلانِيَتِها، وهو مُحْصِيها عليهم حتى يُجازِيَهم بها. وكان رسولُ الله فيما ذُكِر عنه، حينَ أراد المسيرَ إلى مكة عام الحديبيةِ معتمرًا، اسْتَنْفَر العربَ ومَن حولَ مدينته من أهل البوادى والأعراب، ليَخْرُجوا معه؛ حذرًا من قومه من (١) قريشٍ أن يَعْرِضوا له الحربَ أو يَصُدُّوه عن البيت، وأحْرَم هو بالعمرة، وساق معه الهَدْيَ ليَعْلَمَ الناسُ أنه لا يريدُ حربًا، فتَثاقَل عنه كثيرٌ من الأعراب وتخلَّفوا خِلافَه، فهم الذين عَنَى الله بقوله: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾ الآية.

وكالذي قلنا في ذلك قال أهلُ العلمِ بسِيَرِ رسول الله ومَغازيه، منهم ابن إسحاقَ. حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ بذلك (٢).

حدَّثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال ثنا، قال ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا﴾. قال: أعراب المدينةِ؛ جُهَينةَ ومُزَيْنةَ، اسْتَتْبَعَهم لخروجه إلى مكةَ، قالوا: نَذْهَبُ معه إلى قومٍ قد جاءوه، فقتَلوا أصحابَه فنُقاتِلُهم (٣)؟ فاعْتَلُوا بالشُّغْلِ (٤).


(١) سقط من: م.
(٢) سيرة ابن هشام ٢/ ٣٠٨، وأخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٦٢٠.
(٣) في ت ٢، ت ٣، والدلائل: "فيقاتلهم".
(٤) تفسير مجاهد ص ٦٠٧، ومن طريقه البيهقى في دلائل النبوة ٤/ ١٦٤، ١٦٥ وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٧٢ إلى عبد بن حميد، وابن المنذر.