للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ثنا الفرج بن محمد الكلاعيُّ، عن كعبٍ، قال: ﴿أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾. قال: الروم (١).

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه أخْبَر عن هؤلاء المخلفين من الأعرابِ أنهم سيُدْعَوْن إلى قتال قوم أُولى بأس في القتال، ونجدة في الحروب. ولم يُوضع لنا الدليلُ من خبرٍ ولا عقل على أن المعنى بذلك هَوازن، ولا بنو حنيفةَ، ولا فارسُ، ولا الروم، ولا أعيانٌ بأعيانهم، وجائز أن يكونَ عُنى بذلك بعضُ هذه الأجناس، وجائزٌ أن يكونَ عُنى بهم غيرُهم، ولا قول فيه أصحُّ من أن يقال كما قال الله جلَّ ثناؤه: إنهم سيدعون إلى قوم أُولى بأسٍ شديدٍ.

وقوله: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾. يقول تعالى ذكره للمخلَّفين من الأعراب: تُقاتِلون هؤلاء الذين تُدْعَوْن إلى قتالهم، أو يُسلمون من غير حرب ولا قتالٍ.

وقد ذكر أن ذلك في بعض القراءاتِ: (تُقاتِلونهم أو يُسْلِموا) (٢). وعلى هذه القراءة - وإن كانت على خلافِ مصاحف أهل الأمصار، وخلافًا لما عليه الحجةُ من القرأة، وغير جائزةٍ عندى القراءةُ بها لذلك (٣) - تأويل ذلك: تُقاتِلونهم أبدًا إلا أن يُسْلِموا، أو: حتى يُسْلِموا.

وقوله: ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا﴾. يقول تعالى ذكره: فإن تطيعوا الله في إجابتكم إياه إذا دعاكم إلى قتال هؤلاء القوم الأولى البأس الشديد، فتُجيبوا إلى قتالهم والجهادِ مع المؤمنين، ﴿يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا﴾. يقولُ:


(١) ذكره البغوي في تفسيره ٧/ ٣٠٣، والقرطبي في تفسيره ١٦/ ٢٧٢، وابن كثير في تفسيره ٧/ ٣٢٠.
(٢) ينظر البحر المحيط ٨/ ٧٤.
(٣) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "كذلك".