للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥]. وقال اللهُ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾. وهى: لا إلهَ إلا الله، محمدٌ رسولُ اللهِ، استكبَر عنها المشركون يومَ الحديبيةِ؛ يومَ كاتَبهم رسولُ اللهِ على قضيَّة المُدَّة (١).

و ﴿إِذْ﴾ مِن قولِه: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. من صلِة قولِه: ﴿لَعَذَّبْنَا﴾. وتأويلُ الكلامِ: لعذَّبنا الذين كفروا منهم عذابًا أليمًا، حينَ جعَل الذين كفروا في قلوبِهم الحَميَّةَ.

والحَمِيَّةُ فَعِيلَةٌ، من قولِ القائلٍ: حَمَى فلانٌ أَنْفَه حَمِيَّةٌ ومَحْمِيَّةً، ومنه قولُ المُتَلمِّسِ (٢):

أَلَا إِنَّنِي منهم وعِرْضِيَ عِرْضُهُمْ … كذا الرأسُ يَحْمِي أَنْفَه أن يُكَشَّما (٣)

يعنى بقولِه: يَحْمِي: يمنعُ.

وقال: ﴿حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾؛ لأن الذي فعَلوا من ذلك كان جميعُه من أخلاقِ أهلِ الكفرِ، ولم يكنْ شيءٌ منه مما أذِن الله لهم به، ولا أحدٌ رسلِه.

وقولُه: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فأنزل اللهُ الصبرَ والطُّمَأنينة والوقارَ على رسولِه وعلى المؤمنين؛ إذْ حَمِي


(١) أخرجه البيهقى في الأسماء والصفات (١٩٦) من طريق إسماعيل بن أبي أويس به، وأخرجه ابن حبان (٢١٨) من طريق الزهرى به.
(٢) ديوانه ص ٢١.
(٣) كشم أنفَه: قطعه باستئصال. الوسيط (ك ش م).