للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ من القولِ في ذلك عندنا أن يُقالَ: إِن اللَّهَ عَمَّ بنَهيِه المؤمنينَ (١) أن يسخَرَ بعضُهم من بعضٍ جميعَ معاني السُّخريةِ، فلا يحِلُّ لمؤمنٍ أن يسْخَرَ من مؤمنٍ لا لفقرِه، ولا لذنبٍ ركِبَه، ولا لغيرِ ذلك.

وقولُه: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ولا يَعِبْ (٢) بعضُكم بعضًا أَيُّها المؤمنون، ولا يطعَنْ بعضُكم على بعضٍ وقال: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ فجعَل اللَّامزَ أخاه لامزَ (٣) نفسِه؛ لأن المؤمنين كرجلٍ واحدٍ، فيما يَلزمُ بعضُهم لبعضٍ؛ من تحسينِ أمرهِ، وطلَبِ صلاحِه، ومحبةِ (٤) الخيرِ.

وكذلك (٥) رُوِي الخبرُ عن رسولِ اللَّهِ أنه قال: "إنما (٦) المؤمنون كالجسدِ الواحدِ، إذا اشتكى منه عُضوٌ تَداعى له سائرُ جسدِه بالحُمَّى والسَّهرِ" (٧). وهذا نظيرُ قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. [النساء: ٢٩]. بمعنى: ولا يقتلْ بعضُكم بعضًا.

وبنحوِ الذي قُلنا في معنى ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني


(١) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "عن".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يغتب".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لامزًا".
(٤) في م: "محبته".
(٥) في م: "لذلك".
(٦) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٧) أخرجه الطيالسي (٨٢٧)، وأحمد ٣٠/ ٣٠٣ (١٨٣٥٥)، والبخاري (٦٠١١)، ومسلم (٢٥٨٦)، وغيرهم من حديث النعمان بن بشير.