للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الآخرون فإنهم جعَلوا ذلك من لاتَ يَلِيتُ، كما قال رُؤْبةُ بنُ العجَّاجِ (١):

وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ

ولَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاها لَيْتُ

والصوابُ من القراءةِ عندَنا في ذلك ما عليه قرَأةُ المدينةِ والكوفةِ: ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾. بغيرِ ألفٍ ولا همزٍ (٢)، على لغةِ مَن قال: لاتَ يَلِيتُ. لعِلَّتَين: إحْدَاهما: إجماعُ الحُجَّةِ من القرَأةِ عليها. والثانيةُ: أنها في المصحفِ بغيرِ ألفٍ، ولا تسقطُ الهمزةُ في مثلِ هذا الموضعِ؛ لأنها ساكنةٌ، والهمزةُ إذا سكَنت ثَبَتت، كما يقالُ: تأمُرون وتأكُلون. وإنما تسقطُ إذا سكَن ما قَبْلَها، ولا يُحْمَلُ حرفٌ في القرآنِ أتَى بلغةٍ على آخَرَ جاء بلغةٍ خلافِها إذا كانت اللغتان (٣) معروفتين من (٤) كلام العرب. وقد ذكَرنا أن ألَتَ ولاتَ لغتانِ معروفتان مِن كلامِهم.

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: إن اللَّهَ ذو عَفْوٍ أَيُّها الأعرابُ لمن (٥) أطاعَه وتاب إليه مِن سالفِ ذنوبِه، فأطِيعوه وانْتَهُوا إلى أمرِه ونَهْيِه يَغْفرْ لكم ذنوبَكم، رحيمٌ بخَلقِه التائبين إليه أن يعاقِبَهم بعدَ توبتهم مِن ذنوبِهم على ما قد (٦) تابوا منه، فتُوبوا إليه يَرْحَمْكُم.

كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: غفورٌ للذنوبِ الكثيرةِ، أو الكبيرةِ - شكَّ يزيدُ - رحيمٌ بعبادِه (٧).


(١) تقدم تخريجه في ١٤/ ٤١٣، ١٥/ ٤٧٩.
(٢) بل القراءتان كلتاهما صواب.
(٣) في الأصل: "اللغتين"، وهو خطأ بين.
(٤) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "في".
(٥) في الأصل: "من".
(٦) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٧) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٠٠ إلى عبد بن حميد وابن المنذر