للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البصرةِ: قال: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾. ولم يَذْكُرْ أنّه راجعٌ، وذلك - واللَّهُ أعلمُ - لأنه كان على جوابٍ؛ كأنه قيل لهم: إنَّكم ترجِعون. فقالوا: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾.

وقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ (١): قولُه: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا﴾. كلامٌ لم يَظْهَرْ قبلَه ما يكونُ هذا جوابًا له، ولكن معناه مضمَرٌ، إنما كان - واللَّهُ أعلمُ -: ﴿ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾، لَتُبْعَثُنَّ بعدَ الموتِ. فقالوا: أإذا كنا ترابًا بُعِثنا؟ جحَدوا البعثَ، ثم قالوا: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾. جحَدوه أصلًا، قولُه: ﴿بَعِيدٌ﴾. كما تقولُ للرجلِ يُخَطِئُ في المسألةِ: لقد ذهَبتَ مذهبًا بعيدًا من الصوابِ. أي: أخطَأتَ.

والصوابُ من القولِ في ذلك عندَنا أن في هذا الكلامِ متروكًا، اسْتُغنِيَ بدلالةِ ما ذُكِر عليه من ذِكْرِه؛ وذلك أن اللَّهَ دلَّ بخبرِه عن تكذيبِ هؤلاء المشركين، الذين ابتَدَأ هذه السورةَ بالخبرِ عن تكذيبِهم رسولَه محمدًا ، بقولِه: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾؛ على وعيدِه إيَّاهم على تكذيبِهم محمدًا ، فكأنَّه قال لهم - إذ قالوا مُنكِرين رسالةَ اللَّهِ رسولَه محمدًا : ﴿هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ -: ستَعْلَمون أيها القومُ إذا أنتم بُعِثتُم يومَ القيامةِ، ما يكونُ حالُكم في تكذيبِكم محمدًا وإنكارِ كم نبوَّتَه. فقالوا مُجِيبين رسولَ اللَّهِ : أإذا مِتْنا وكنا ترابًا نَعْلَمُ ذلك، ونَرَى ما تَعِدُنا على تكذيبِك؟ ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾! أي: إن ذلك غيرُ كائنٍ، ولَسْنا راجِعين أحياءً بعدَ مماتِنا. فاسْتُغنى بدلالةِ قولِه: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ مِن ذِكْرِ ما ذكَرتُ من الخبرِ عن وعيدِهم.

وفيما حُدِّثتُ عن الحسينِ، قال: سمِعتُ أبا معاذٍ يقولُ: أخبَرنا عبيدٌ، قال:


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٧٥، ٧٦.