للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن النَّفَرِ اللَّائي الَّذين إذا همُ … يَهابُ اللِّئامُ حَلْقَةَ البابِ قَعْقَعُوا

فجمَع بينَ "اللَّائي" "والَّذين"، وأحدُهما مُجْزِئٌ مِن الآخرِ، وكقولِ الآخرِ في الأدواتِ (١):

ما إِنْ رأَيْتُ ولا سمِعتُ بِهِ … كاليومِ (٢) طَالِيَ أَيْنُقٍ جُرْبِ

فجمَع بينَ "ما" وبينَ "إن"، وهما جَحْدان يُجْزِئُ أَحدُهما مِن الآخرِ. وأما الآخرُ: فهو لو أن ذلك أَفْرد بـ "ما"، لكان خبرًا عن أنه حقٌّ لا كَذِبٌ، وليس ذلك المعنيَّ به. وإنما أُريدَ به: إنه لحقٌّ كما حقٌّ أَنَّ الآدميَّ ناطقٌ. ألا ترى أنَّ قولَك: أَحَقٌّ مَنْطِقُك. معناه: أحقٌّ هو أم كَذِبٌ، وأن قولَك: أحقٌّ أَنَّكَ تَنْطِقُ. معناه [أللإنسانِ (٣) النطقُ] (٤) لا لغيرِه، فأُدْخِلَت "أَنَّ" ليُفَرَّقَ بها بينَ المَعْنَيَيْن. قال: فهذا أعجبُ الوجْهينِ إليَّ.

واختلَفت القرأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرَأَةِ المدينةِ والبصرةِ: ﴿مِثْلَ مَا﴾. نصبًا (٥). بمعنى: إنه لحقٌّ حقًّا يقينًا؛ كأنَّهم وجَّهوها إلى مذهبِ المصدرِ. وقد يجوزُ أن يكونَ نصبُها من أجْلِ أن العربَ تَنْصِبُها إذا رفعَتْ بها الاسمَ، فتقولُ: مثلَ مَن عبدُ اللَّهِ؟ وعبدُ اللَّهِ مثلَك، وأنت مثلُه، ومثلَه أنت رفعًا ونصبًا. وقد يجوزُ أن يكونَ نصبُها على مذهبِ المصدرِ، إنه لحقٌّ كنُطْقِكم. وقرَأ ذلك عامةُ قرَأَةِ الكوفةِ وبعضُ أهلِ البصرةِ رفعًا: (مِثْلُ ما أَنَّكُمْ) (٦).


(١) هو دريد بن الصمة كما في شرح العيون ٣٦٧، ومعاني القرآن للفراء ٣/ ٨٥.
(٢) بعده في الأصل: "هانئ".
(٣) في الأصل: "الإنسان". والمثبت من معاني القرآن.
(٤) في م: "للاستثبات"، وفي ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "للإنسان".
(٥) هي قراءة نافع وابن كثير وأبي جعفرٍ وأبي عمرو بن العلاء ويعقوب الحضرمي وعاصم في رواية حفص، وابن عامر. ينظر النشر ٢/ ٢٨٢.
(٦) هي قراءة حمزة والكسائي وخلف وأبي بكر. المصدر السابق.