للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيءُ النُّكُرُ، ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾. يقولُ: ذليلةً أبصارُهم خاضعةً [لأمرِ ربِّها] (١)، ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ وهي جمعُ جَدَثٍ، وهي القبورُ. وإنما وصَف جلَّ ثناؤُه بالخشوعِ الأبصارَ دونَ سائرِ أجسامِهم، والمرادُ به جميعُ أجسامِهم؛ لأن أثرَ ذِلةِ كلِّ ذليلٍ، وعِزةِ كلِّ عزيزٍ، تَتَبَيَّنُ في ناظِرَيه دونَ سائرِ جسدِه، فلذلك خصَّ الأبصارَ [بوصفِها بالخشوعِ] (٢).

وبنحوِ الذي قلنا في معنى قولِه: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾. أي: ذليلةً أبصارُهم (٣).

واخْتَلَفت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿خُشَّعًا (٤) أَبْصَارُهُمْ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ وبعضُ المكيين و (٥) الكوفيين: ﴿خُشَّعًا﴾ بضمِّ الخاءِ وتشديدِ الشينِ (٦)، بمعنى: خاشعٌ. وقرَأه عامةُ قرأةِ الكوفةِ وبعضُ البصريين: (خاشِعًا أبصارُهم) بالألفِ على التوحيدِ (٧)؛ اعتبارًا بقراءةِ عبدِ اللَّهِ، وذلك أن ذلك في قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (خاشعةً أبصارُهم) (٨). وألْحَقوه وهو بلفظِ الاسمِ في التوحيدِ، إذ كان (٩) صفةً،


(١) في ص، م، ت ١، ٢، ت ٣: "خاشعة لا ضرر بها".
(٢) في الأصل: "بوصف هذا الخشوع".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٣٤ إلى المصنف.
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "خاشعا".
(٥) سقط من: م.
(٦) هي قراءة ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبي جعفرٍ. ينظر النشر ٢/ ٢٨٤.
(٧) وهي قراءة أبي عمرٍو وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف. المصدر السابق.
(٨) المصاحف لابن أبي داود من ٧٢، ومعاني القرآن للفراء ٣/ ١٠٥.
(٩) في الأصل: "جاء".