للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُهم: قولُه ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ﴾ خبرٌ مُنْقَضٍ. وقولُه: ﴿وَيَعْقُوبُ﴾ خبرٌ مُبْتَدَأٌ، كأنه (١) قال: ووَصَّى بها إبراهيمُ بَنيه بأنْ يقولوا: أسلمْنا لربِّ العالمين. ووصَّى يعقوبُ بَنيه أنْ: يا بنيَّ إن اللهَ اصْصَفَى لكم الدينَ فلا تموتُنَّ إلَّا وأنتم مسلمون.

ولا معنى لقولِ مَن قال ذلك؛ لأنَّ الذى أوْصَى به يعقوبُ بَنيه نظيرُ الذى أوصَى به إبراهيمُ بَنيه مِن الحَثِّ على طاعةِ اللهِ والخضوعِ له والإسلامِ.

فإن قال قائلٌ: فإنْ كان الأمرُ [على ما] (٢) وصفتَ مِن أنَّ معناه: ووصَّى بها إبراهيمُ بَنِيه ويعقوبُ أن يا بنيَّ. فما بالُ "أنْ" محذوفةً مِن الكلامِ؟

قيل: لأنَّ الوصيةَ قولٌ، فحُمِلت على معناها، وذلك أن ذلك لو جاء بلفظِ القولِ (٣) لَمْ تَحْسُنْ معه "أن"، وإنما كان يقالُ: وقال إبراهيمُ لبَنِيه ويعقوبُ: يا بَنيَّ. فلمَّا كانت الوصيةُ قولًا حُملتْ على معناها دونَ لفظِها، فحُذفتْ "أن" التى تَحْسُنُ معَها، كما قال تعالى ذكرُه: ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]. وكما قال الشاعرُ (٤):

إنِّى سَأُبْدى لَكَ فيما أُبْدِى

لِى شَجَنانِ شَجَنٌ (٥) بنَجْدِ

وشَجَنٌ لى بِبِلادِ السِّنْدِ


(١) في م: "فإنه".
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "كما".
(٣) في الأصل: "القرآن".
(٤) معانى القرآن ١/ ٨٠، ١٨٠، واللسان (ش ج ن) بغير نسبة.
(٥) الشجَن: الحاجة أينما كانت. اللسان (ش ج ن).