للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويَحْتَمِلُ قولُه: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أن تكونَ بمعنى الحالِ، كأنهم قالوا: نعبُدُ إلهَكَ مُسلمينَ له بطاعتِنا وعبادتِنا إيَّاه. ويَحتمِلُ أن يكونَ خبرًا مُستأنفًا، فيكونَ بمعنى: نعبدُ إلهَك بعدَك، ونحن له الآن وفى كلِّ حالٍ مسلمون.

قال أبو جعفرٍ: وأحسنُ هذين الوجهينِ في تأويلِ ذلك أن يكونَ بمعنى الحالِ، وأن يكونَ بمعنى: نعبُدُ إلهَك وإلهَ آبائِك إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ مسلمينَ لعبادتِه.

وقيل: إنما قُدِّم ذكرُ إسماعيلَ على إسحاقَ؛ لأنَّ إسماعيلَ كان أسنَّ مِن إسحاقَ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حَدَّثَنِي يونسُ بنُ عبدِ الأعِلي، قال: أخبَرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ قال: يُقالُ: بدَأ بإسماعيلَ لأنه أكبرُ (١).

وقرَأ بعضُ القرأةِ (٢): (وَإلَه أبيكَ إبْرَاهِيمَ) (٣). ظنًّا منه أن إسماعيلَ إذ كان عمًّا ليعقوبَ، فلا يجوزُ أن يكونَ في من تُرْجِم به عنِ الآباءِ وداخلًا في عِدادِهم. وذلك من قارئِه (٤) كذلك قِلَّةُ علمٍ منه بمجَارِى كلامِ العربِ، والعربُ لا تَمْتَنِعُ مِن أن تَجْعَلَ الأعمامَ بمعنى الآباءِ، والأخوالَ بمعنى الأُمَّهاتِ، فلذلك دخَل إسماعيلُ في مَن تُرْجِم به عن الآباءِ.

و ﴿إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ ترجمةٌ عن الآباءِ في موضعِ جرٍّ، ولكنَّهم نُصِبوا بأنهم (٥) لا يُجْرَون.


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٣٩ إلى المصنّف.
(٢) في م: "المتقدمين".
(٣) هى قراءة ابن عباس والحسن وابن يَعمر والجحدرى وأبى رجاء. ينظر البحر المحيط ١/ ٤٠٢.
(٤) في الأصل: "قراءته".
(٥) في م، ت ١، ت ٢: "لأنهم".