للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ: "مُؤْمِنو أُمَّتِي شُهداءُ". قال: ثم تلا النبيُّ هذه الآيةَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ (١).

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، قال: ثنا عيسى، وحدَّثني الحارثُ، قال: ثنا الحسنُ، قال: ثنا ورقاءُ، جميعًا عن ابنِ أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾. قال: بالإيمانِ على أنفسِهم باللَّهِ (٢).

وقال آخرون: الشهداءُ عندَ ربِّهم في هذا الموضعِ: النَّبيون الذين يَشْهَدون على أممِهم؛ مِن قولِ اللَّهِ ﷿: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١].

والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: الكلامُ والخبرُ عن الذين آمَنوا مُتَناهٍ عندَ قولِه: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾، وأنَّ قولَه: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ خبرٌ مُبْتدأٌ عن الشهداءِ.

وإنما قلنا: إنَّ ذلك أولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ؛ لأنَّ ذلك هو الأغلبُ مِن معانِيه في الظاهرِ، وأنَّ الإيمانَ غيرُ مُوجبٍ - في المتعارَفِ - للمؤمنِ اسمَ شهيدٍ إلَّا (٣) بمعنى غيرِه، إلا أن يُرادَ به أنه (٤) شهيدٌ على ما آمَن به وصدَّقه، فيكونَ ذلك وجْهًا، وإن كان فيه بعضُ البُعدِ؛ لأن ذلك ليس بالمعروفِ من معانِيه إذا أُطْلِق بغيرِ وصلٍ، فتأويلُ قولِه: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ إذنْ: والشهداءُ الذين قُتِلوا في سبيلِ اللَّهِ، أو هلَكوا في سبيلِه، عندَ ربِّهم، لهم ثوابُ اللَّهِ إِيَّاهم في


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٨/ ٤٨ عن المصنف.
(٢) تفسير مجاهد ص ٦٤٩.
(٣) في م: "لا".
(٤) سقط من: م.