للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﷿: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾. قال: لا تَأْسَوا على ما فاتكم مِن الدنيا، ولا تَفْرحوا بما آتاكم منها.

واختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿بِمَا آتَاكُمْ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الحجازِ والكوفةِ: ﴿بِمَا آتَاكُمْ﴾ بمدِّ الألفِ (١). وقَرأه بعضُ قرأةِ البصرةِ: (بما أتاكُمْ) بقصرِ الألفِ (٢). وكأَنَّ مَن قرَأ ذلك بقصرِ الألفِ اختار قراءَتَه كذلك إذ كان الذي قبلَه: ﴿عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾، ولم يَكُنْ: "على ما أفاتكم"، فَيَرُدَّ الفعلَ إلى اللَّهِ، فأَلْحَق قولَه: (بِمَا أتاكُمْ) به، ولم يردَّه إلى أنه خبرٌ عن اللَّهِ (٣).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قراءتان صحيحٌ معناهما، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ، وإن كنتُ أختارُ مدَّ الألفِ لكثرةِ قارئِي ذلك كذلك، وليس للذي اعتلَّ به منه مُعْتلُّو قارئِيه بقصرِ الألفِ كبيرُ معنًى؛ لأن ما جُعِل من ذلك خبرًا عن اللَّهِ، وما صُرِف منه إلى الخبرِ عن غيرِه - فغيرُ خارجٍ جميعُه عندَ سامعيه مِن أهلِ العلمِ أنه مِن فعلِ اللَّهِ تعالى، فالفائتُ مِن الدنيا مَن فاته منها شيءٌ، والمُدْرِكُ منها ما أَدْرك، عن تقدُّمِ اللَّهِ ﷿ وقضائِه، وقد بَيَّن ذلك جلَّ ثناؤُه لمن عقَل عنه بقولِه: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾. فأَخبَر أن الفائتَ منها بإفاتتِه إيَّاهم فاتهم، والمُدْرَكَ منها بإعطائِه إيَّاهم أَدْركوا، وأنَّ ذلك مخطوطٌ (٤) لهم في كتابٍ مِن قبلِ أن يخلُقَهم.

وقولُه: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾. يقولُ: واللَّهُ لا يُحِبُّ كلَّ مُتكبِّرٍ بما أُوتِي مِن الدنيا، فخورٍ به على الناسِ.


(١) هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. حجة القراءات ص ٧٠١، ٧٠٢.
(٢) هي قراءة أبي عمرو. المصدر السابق.
(٣) ينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ١٣٦.
(٤) في م: "محفوظ".