للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي عمرٍو: ﴿يُخْرِبُونَ﴾ بتخفيف الراءِ، بمعنى يَخْرُجون منها، ويَتْرُكونها مُعَطَّلةً خَرابًا (١). وكان أبو عمرٍو يقرَأُ ذلك: (يُخرِّبون) بالتشديدِ في الراءِ، بمعنى يُهَدِّمون بيوتَهم. وقد ذُكر عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيِّ (٢) والحسنِ البصريِّ، أنهما كانا يقرأان ذلك نحوَ قراءةِ أبي عمرٍو (٣). وكان أبو عمرٍو فيما ذُكر عنه يزعُمُ أنه إنما اختار التَّشديدَ في الراءِ؛ لِما ذكرْتُ مِن أنَّ الإخرابَ إنما هو تركُ ذلك خرابًا بغيرِ ساكنٍ، وإنَّ بني النَّضيرِ لم يَتْرُكوا منازلَهم فيَرْتَحِلوا عنها، ولكنهم خَرَّبوها بالنقضِ والهدمِ، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتَّشديدِ.

وأَوْلى القراءتينِ في ذلك بالصوابِ عندي قراءةُ مَن قرَأه بالتخفيفِ؛ لإجماعِ الحجةِ مِن القرَأةِ عليه. وقد كان بعضُ أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ يقولُ: التَّخْرِيبُ والإخرابُ بمعنًى واحدٍ، وإنما ذلك في (٤) اختلافِ اللفظِ لا اختلافِ (٥) المعنى.

وقولُه: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فاتَّعِظوا (٦) يا مَعْشَرَ ذوي الأفهامِ بما أحلَّ اللَّهُ بهؤلاء اليهودِ، الذين قذَف اللَّهُ في قلوبِهم الرعبَ وهم في حصونِهم، من نِقْمَتِه، واعلَموا أنَّ اللَّهَ وليُّ مَن والاه، وناصرٌ رسولَه على كلِّ مَن ناوأَه، ومُحِلٌّ مِن نِقْمَتِه به نظيرَ الذي أَحلَّ ببني النَّضيرِ. وإنما عُنِي بالأبصارِ في هذا الموضعِ أبصارُ القلوبِ؛ وذلك أنَّ الاعتبارَ بها يكونُ دونَ الإبصارِ بالعيونِ.


(١) وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر الكشف عن وجوه القراءات ٢/ ٣١٦، والتيسير ص ١٧٠.
(٢) ينظر معاني القرآن للفراء ٣/ ١٤٣.
(٣) وهي أيضًا قراءة قتادة والجحدري ومجاهد وأبي حيوة وعيسى. ينظر البحر المحيط ٨/ ٢٤٣، والإتحاف ص ٢٥٥.
(٤) ليس في: ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٥) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢: "في".
(٦) في ت ٢، ت ٣: "فانطلقوا".