للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكونُ ذلك معطوفًا على قولِه ﴿أَتُحَاجُّونَنَا﴾.

والوجهُ الآخرُ منهما: (أم يقولون) بالياءِ (١). ومن قرَأ ذلك كذلك وجَّه قولَه: (أم يقولون) إلى أنه استفهامٌ مُستأنَفٌ كقولِه: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨]. وكما يقالُ: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ وإنما جعَله استفهامًا مستأنَفًا لمجئِ خبرٍ مُستأنَفٍ، كما يقالُ: أتقومُ أم يقومُ أخوك؟ فيصيرُ قولُه: أم يقومُ أخوك؟ خبرًا مستأنَفًا بجُملةٍ (٢) ليست من الأوّلِ واستفهامًا مبتدأً، ولو كان نَسَقًا على الاستفهامِ الأوّلِ لكان خبرًا عن الأوّلِ، فقيل: أتقومُ أم تقعدُ؟

وقد زعَم بعضُ أهلِ العربيةِ أن ذلك إذا قُرِئ كذلك بالياءِ، فإن كان الذى بعد "أَمْ" جملةً تامةً فهو عطفٌ على الاستفهامِ الأوّلِ؛ لأن معنى الكلامِ قيل: أىُّ هذين الأمرَيْن كائنٌ، أهذا أم هذا؟

والصوابُ من القراءةِ عندنا في ذلك: ﴿أَمْ تَقُولُونَ﴾ بالتاءِ دون الياءِ (٣)، عطفًا على قولِه: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ بمعنى: أىَّ هذين الأمرَيْن تفعَلون؟ أتُجادِلُوننا في دينِ اللهِ؟ فتَزعُمون أنكم أَوْلَى منّا، وأَهْدَى منّا سبيلًا، وأمْرُنا وأمْرُكم ما وصَفْنَا على ما قد بَيّنّاه آنفًا (٤)، أم تزعُمون أن إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ ومن سمَّى اللهُ كانوا هُودًا أو نَصارَى على مِلَّتِكم؟ فيَضِحُ (٥) للناسِ بَهْتُكم وكَذِبُكم؛ لأن اليهوديةَ والنصرانيةَ حدَثَتْ بعدَ هؤلاءِ الذين سمّاهم اللهُ من أنبيائِه. وغيرُ جائزةٍ قراءةُ ذلك بالياءِ لشذوذِها عن قراءةِ القرَأةِ.


(١) وهى قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو، وأبى بكر عن عاصم. حجة القراءات ص ١١٥.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "لجملة".
(٣) القراءتان كلتاهما صواب؛ لأنهما متواترتان.
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أيضا".
(٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يصح".