للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنون أشدُّ رهبةً في صدورِ اليهودِ مِن بني النَّضيرِ، ﴿مِنَ اللَّهِ﴾. يقولُ: هم يَرْهَبُونكم (١) أَشدَّ مِن رَهْبتِهم مِن اللَّهِ، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: هذه الرهبةُ التي لكم في صدورِ هؤلاءِ اليهودِ، التي هي أشدُّ مِن رهبتِهم مِن اللَّهِ، مِن أَجْلِ أنهم قومٌ لا يَفْقَهون قدرَ عظمةِ اللَّهِ؛ فهم لذلك يَسْتَخِفُّون بمعاصيه، ولا يَرْهَبُون عقابَه، قدرَ رهبتِهم (٢) منكم.

وقولُه: ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: لا يُقاتِلُكم هؤلاء - يهودُ بني النَّضيرِ - مُجْتمِعين، إلا في قرًى مُحصَّنةٍ بالحصونِ، لا يَبْرُزُون لكم بالبَرازِ، ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾. يقولُ: أو مِن خَلْفِ حيطانٍ.

واختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرأَتْه عامةُ قرأةِ الكوفةِ والمدينةِ: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ على الجِماعِ، بمعنى الحيطانِ. وقرَأه بعضُ قرأةِ مكةَ والبصرةِ: (مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ) على التوحيدِ، بمعنى الحائطِ (٣).

والصوابُ مِن القولِ عندي في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ

وقولُه: ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: عداوةُ بعضِ هؤلاءِ الكفارِ مِن اليهودِ بعضًا شديدةٌ، ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا﴾. يعني المنافقين وأهلَ الكتابِ، يقولُ: تَظُنُّهم مُؤْتلفِين مُجْتَمِعةً كلمتُهم، ﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾. يقولُ: وقلوبُهم مختلفةٌ؛ لمعاداةِ بعضِهم بعضًا.


(١) في م: "يرهبونهم".
(٢) في ص، م، ت ٢، ت ٣: "رهبته".
(٣) وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وبالجمع قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. ينظر حجة القراءات ص ٧٠٥.