للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرَأةِ الحجازِ والمدينةِ والكوفةِ والشامِ، ﴿وَلَا تُمْسِكُوا﴾ بتخفيفِ السينِ (١). وقرَأ ذلك أبو عمرٍو: (تُمَسِّكُوا) بتشديدِها (٢)، وذُكر أنَّها قراءةُ الحسنِ (٣). واعتبر مَن قرَأ ذلك بالتخفيفِ: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩].

والصوابُ مِن القولِ في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، محكيٌّ عن العربِ: أمسكتُ به، ومَسَكْتُ، وتمسَّكْتُ به.

وقولُه: ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه لأزواجِ اللواتي لحِقْنَ مِن المؤمنين مِن دارِ الإسلامِ بالمشركين إلى مكةَ مِن كفارِ قريشٍ: واسألوا أيُّها المؤمنون الذين ذهبَتْ أزواجُهم فلحِقْنَ بالمشركين - ما أنفَقتم على أزواجِكم اللواتي لحِقْنَ بهم مِن الصداقِ، مَن تزوَّجهنَّ منهم، وليَسْألْكم المشركون منهم الذين لحِق بكم أزواجُهم مؤمناتٍ، إذا تزوَّجن فيكم، مَن تزوَّجها منكم، ما أنفقوا عليهنَّ مِن الصداقِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: أخبَرني يونسُ، عن ابنِ شهابٍ، قال: أقرَّ المؤمنون بحكمِ اللَّهِ، وأدَّوا ما أُمروا بهِ مِن نفقاتِ المشركين التي أنفقوا على نسائِهم، وأبَى المشركون أن يُقِرُّوا بحكمِ اللَّهِ فيما فُرِض عليهم مِن أداءِ نفقاتِ المسلمين (٤).


(١) وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وأبي جعفر وخلف. ينظر النشر ٢/ ٢٨٩.
(٢) وبها قرأ يعقوب من العشرة. المصدر السابق.
(٣) وهي إحدى الروايات عن الحسن، وبها قرأ مجاهد بخلاف عنه وابن جبير والأعرج، وعن الحسن (تَمَسَّكوا). وبها قرأ ابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد الحميد وأبو عمرو في رواية معاذ. وعن الحسن (تمسِكوا) بكسر السين مضارع "مسك" ثلاثيا. البحر المحيط ٨/ ٢٥٧.
(٤) ذكره ابن كثير في تفسيره ٨/ ١٢١ عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢٠٧ إلى ابن مردويه.