للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سمِعْتُ الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾: أنْزَل اللَّهُ هذا في الرجلِ يقولُ في القتالِ ما لم يَفْعَلْه مِن الضربِ والطعنِ والقتلِ.

قال اللَّهُ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (١).

وقال آخرون: بل هذا توبيخٌ مِن اللَّهِ لقومٍ مِن المنافقين، كانوا يَعِدُون المؤمنين النصرَ، وهم كاذِبون.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِ اللَّهِ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾: يقولون للنبيِّ وأصحابِه: لو خرَجْتُم خرَجْنا معكم، وكنا في نصرِكم، وفي، وفي. فأخْبَرهم أنه ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (١).

وأولى هذه الأقوالِ بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: عُنِي بها الذين قالوا: لو عرَفْنا أحبَّ الأعمالِ إلى اللَّهِ لعمِلْنا به. ثم قصَّروا في العملِ بعدَ ما عرَفوا.

وإنما قلتُ: هذا القولُ أولى بها؛ لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه خاطَب بها المؤمنين، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ولو كانت نزَلَت في المنافقين لم يُسَمَّوْا ولم يُوصَفوا بالإيمانِ، ولو كانوا وصَفوا أنفسَهم بفعلِ ما لم يكونوا فعَلوه، كانوا قد تعمَّدوا قِيلَ الكذبِ، ولم يكنْ ذلك صفةَ القومِ، ولكنهم عندي أمَّلوا بقولِهم: لو علِمْنا أحبَّ الأعمالِ إلى اللَّهِ عمِلْناه. أنهم لو علِموا بذلك عمِلوه، فلمَّا علِموا ضعُفَت قُوَى قومٍ منهم عن القيامِ بما أمَّلوا القيامَ به قبلَ العلمِ، وقَوِي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضلُ والشرفُ.


(١) ذكره البغوي في تفسيره ٨/ ١٠٨، وابن كثير في تفسيره ٨/ ١٣٢.