للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهِ مُصْطَفِّين.

وقولُه: ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾. يقولُ: يُقاتِلون في سبيلِ اللَّهِ صفًّا مُصْطَفًّا، كأنهم في اصطفافِهم هنالك حِيطانٌ مبنيةٌ، قد رُصَّ، فأُحْكِم وأُتْقِن، فلا يُغادِرُ منه شيئًا. وكان بعضُهم يقولُ: بُنِي بالرَّصاصِ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾: ألم تَرَ إلى صاحبِ البُنيانِ كيف لا يُحِبُّ أن يَخْتَلِفَ بنيانُه، كذلك لا يَخْتَلِفُ أمرُه، وإن اللَّهَ وصَف المؤمنين في قتالِهم وصْفَهم في صلاتِهم، فعليكم بأمرِ اللَّهِ، فإنه عِصْمةٌ لمن أخَذ به (١).

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾. قال: والذين صدَّقوا قولَهم بأعمالِهم، هؤلاء. قال: وهؤلاء لم يُصَدِّقوا قولهم بالأعمالِ؛ لمَّا خرَج النبيُّ نكَصوا عنه وتخَلَّفوا.

وكان بعضُ أهلِ العلمِ يقولُ: إنما قال اللَّهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾. ليدلَّ على أن القتالَ راجلًا أحبُّ إليه مِن القتالِ فارسًا؛ لأن الفُرسانَ لا يَصْطَفُّون، وإنما يَصْطَفُّ (٢) الرَّجَّالةُ.


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ٨/ ١٣٤، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢١٣ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) في م، ت ١: "تصطف".