للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقولُ جلَّ ثناؤُه: وإن يَتَكَلَّموا تَسْمَعْ كلامَهم، يُشْبِهُ مَنْطِقُهم منطقَ الناسِ، ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾. يقولُ: كأن هؤلاء المنافقين خُشُبٌ مُسَنَّدةٌ، لا خيرَ عندَهم، ولا فقهَ لهم ولا علمَ، وإنما هم صورٌ بلا أحلامٍ، وأشباحٌ (١) بلا عقولٍ.

وقولُه: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: يَحْسَبُ هؤلاء المنافقون مِن خُبثِهم (٢) وسوءِ ظنِّهم وقلةِ يقينِهم، كلَّ صيحةٍ عليهم؛ لأنهم على وَجَلٍ أن يُنْزِلَ اللَّهُ فيهم أمرًا يَهْتِكُ به أستارَهم ويَفْضَحُهم، ويُبِيحُ للمؤمنين قتلَهم وسَبْيَ ذَراريِّهم وأخْذَ أموالِهم، فهم مِن خوفِهمِ مِن ذلك، كلَّما نزَل بهم مِن اللَّهِ وحيٌّ على رسولِه، ظنُّوا أنه نزَل بهلاكِهم وعَطَبِهم. يقولُ اللَّهُ جلَّ ثناؤُه لنبيِّه : هم العدُوُّ يا محمدُ فاحْذَرْهم، فإن ألسنتَهم إذا لَقُوكم معكم، وقلوبَهم عليكم مع أعدائِكم، فهم عينٌ لأعدائِكم عليكم.

وقولُه: ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾. يقولُ: أخْزاهم اللَّهُ، إلى أيِّ وجهٍ يُصْرَفون عن الحقِّ.

حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ، وسمِعْتُه يقولُ في قولِ اللَّهِ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ الآية. قال: هؤلاء المنافقون.

واختلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والكوفةِ خلا الأعمشِ والكِسائيِّ: ﴿خُشُبٌ﴾ بضمِّ الخاءِ والشينِ (٣). كأنهم وجَّهوا ذلك إلى جمعِ الجمعِ، جمَعوا الخشبةَ خِشَابا، ثم جمعوا الخِشابَ خُشُبًا، كما جُمِعَت الثمرةُ ثِمارًا، ثم ثُمُرًا. وقد يَجوزُ أن يكونَ الخُشُبُ بضمِّ الخاءِ


(١) في ت ٢، ت ٣: "أجسام".
(٢) في ت ١: "خبتهم".
(٣) هي قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة. حجة القراءات ص ٧٠٩.