للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣)﴾.

قال أبو جعفرٍ : يقولُ تعالى ذكرُه: وإذ أسَرَّ النبيُّ محمدٌ إلى بعضِ أزْوَاجِه. وهو في قولِ ابنِ عباسٍ وقتادةَ وزيدِ بنِ أسلمَ وابنِه عبدِ الرحمنِ بنِ زيدٍ والشعبيِّ والضحاكِ بنِ مزاحمٍ: حَفْصةُ. وقد ذكَرنا الروايةَ بذلك.

وقولُه: ﴿حَدِيثًا﴾. والحديثُ الذي أسرَّ إليها في قولِ هؤلاءِ، هو قولُه لمن أسرَّ إليه ذلك من أزواجِه، تحريمُ فتاتِه، أو ما حرَّم على نفسِه، مما كان اللَّهُ ﷿ قد أحلَّه له، وحَلِفُه على ذلك في قولِه لها: "لا تَذْكُرِي ذلك لأحدٍ".

وقولُه: ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فلما أخبَرت بالحديثِ الذي أسرَّ إليها رسولُ اللَّهِ صاحبَتَها، ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾. يقولُ: وأَظْهَر اللَّهُ نبيَّه محمدًا على أنَّها قد أنبأت بذلك صاحبتَها.

وقولُه: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾. اختلفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأتْه عامةُ قرأةِ الأمصارِ غيرَ الكسائيِّ: ﴿عَرَّفَ﴾ بتشديدِ الراءِ (١)، بمعنى: عرَّف النبيُّ حفصةَ بعضَ ذلك الحديثِ، وأخبرَها به. وكان الكسائيُّ ذكَر عن الحسنِ البصريِّ وأبي عبدِ الرحمنِ السُّلَميِّ وقتادةَ، أنهم قرَءوا ذلك: (عَرَفَ) بتخفيفِ الراءِ (٢)، بمعنى: عرَف لحفصةَ بعضَ ذلك الفعلِ الذي فعَلتْه من إفشائِها سرَّه وقد استكْتَمها إيَّاه. أي: غَضِب مِن ذلك عليها رسولُ اللَّهِ ، وجازاها عليه. من قول القائلِ لمن أساء إليه: لأعْرِفنَّ لك يا فلانُ ما فعَلْتَ. بمعنى:


(١) وهي قراءة نافع وابن كثير وعاصم وابن عامر وأبي عمرو وحمزة وأبي جعفر ويعقوب وخلف، وقرأ الكسائي (عَرَف). ينظر النشر ٢/ ٢٩٠.
(٢) وبها قرأ طلحة وأبو عمرو في رواية هارون. البحر المحيط ٨/ ٢٩٠.