للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ذلك (١).

واختلَفتِ القرأةُ في قراءةِ: ﴿ن﴾، فأَظْهَر النُّونَ فيها وفي: ﴿يس﴾ عامةُ قرأةِ الكوفةِ خلا الكِسائيَّ، وعامةُ قرأةِ البصرةِ؛ لأنَّها حرفُ هِجاءٍ، والهِجَاءُ مبنيٌّ على الوقوفِ عليه وإنِ اتَّصَل، وكان الكِسائيُّ يُدْغِمُ النُّونَ الآخرةَ منهما ويُخْفِيها بناءً على الاتصالِ (٢).

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندَنا أنهما قراءتان فصيحتان، بأيَّتهما قرَأ القارئُ أصاب، غيرَ أَنَّ إِظْهَارَ النُّونِ أَفصحُ وأَشْهَرُ، فهو أَعْجَبُ إليَّ.

وأما القلمُ فهو القلمُ المعروفُ، غيرَ أنَّ الذي أَقسَم به ربُّنا مِن الأقلامِ القلمُ الذي خلَقه اللَّهُ تعالى ذكرُه، فأَمَره فجَرَى بكتابةِ جميعِ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ.

حدَّثني محمدُ بنُ معاويةَ (٣) الأَنماطيُّ، قال: ثنا عبَّادٌ بنُ العوَّامِ، قال: ثنا عبدُ الواحدِ بنُ سليمٍ، قال: سمِعتُ عطاءً قال: سألتُ الوليدَ بنَ عُبادةَ بنِ الصامتِ: كيف كانت وصيةُ أبيك حينَ حضَره الموتُ؟ فقال: دعاني فقال: أي بنيَّ، اتقِ اللَّهَ، واعلمْ أنك لن تتقيَ اللَّهَ، ولن تبلُغَ العلمَ حتى تُؤمِنَ باللَّهِ وحدَه، والقدرِ خيرِه وشرِّه، إني سمِعتُ رسولَ اللَّهِ يقولُ: "إنَّ أولَ ما خلَق اللَّهُ خلَق القلمَ، فقال له: اكْتُبْ. قال: يا ربِّ وما أكْتُبُ؟ قال: اكْتُبِ القدرَ". قال: "فجَرَى القلم في تلك الساعةِ بما كان، وما هو كائنٌ إلى الأَبَدِ" (٤).


(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٠٤ وما بعدها.
(٢) بالإدغام قرأ ورش والبزي وابن ذكوان وعاصم بخلف عنهم، وهشام والكسائي ويعقوب وخَلَفٌ عن نفسه، والباقون بالإظهار. وسكت على (ن) أبو جعفر. ينظر إتحاف فضلاء البشر ص ٢٦٠.
(٣) في النسخ: "صالح". وتقدم على الصواب في ٤/ ٤٣٠.
(٤) أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٣٢، ٣٣، وأخرجه الطيالسي (٥٧٨)، والترمذي (٣٣١٩)، والبغوي في الجعديات (٣٤٧٨)، من طريق عبد الواحد بن سليم به.