للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾. قال: صلاتَكم (١) ههنا -يعنى إلى بيتِ المقدسِ ستةَ عشرَ شهرًا- وانحرافَكم (٢) ههنا.

وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: أُنِّثت الكبيرةُ لتأنيثِ القبلةِ، وإيّاها عنَى جل ثناؤُه بقولِه: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: بل أُنِّثث الكبيرةُ لتأنيثِ التوليةِ والتحويلةِ.

فتأويلُ الكلامِ على معنَى ما تأوَّلَه قائلُو هذه المقالةِ: وما جعلَنا تحويلَتَنا إيّاكَ عن القبلةِ التى كنتَ عليها وتولِيتَنَاكَ عنها، إلا لنعلَمَ من يتبِعُ الرسولَ ممن ينقلِبُ على عَقِبيْه، وإن كانت تحويلَتُنا إياك عنها وتولِيتُنَاكَ لكبيرةً إلا على الذين هدَى اللهُ.

وهذا التأويلُ أولَى التأويلاتِ عندى بالصوابِ؛ لأن القومَ إنما كبُر عليهم تحويلُ النبيِّ وجهَه عن القبلةِ الأولَى إلى الأُخْرى، لا عينُ القبلةِ، ولا الصلاةُ؛ لأن القبلةَ الأولَى والصلاةَ قد كانت وهى غيرُ كبيرةٍ عليهم. إلا أن يُوجِّهَ موجِّهٌ تأنيثَ الكبيرةِ إلى القبلةِ، ويقولَ: اجتُزِئ بذكرِ القبلةِ من ذكرِ التوليةِ والتحويلةِ؛ لدَلالةِ الكلامِ على معنى ذلك. كما قد وصفنا ذلك (٣) في نظائرِه (٤)، فيكونَ ذلك وجهًا صحيحًا، ومذهبًا مفهومًا.

ومعنَى قولِه: ﴿لَكَبِيرَةً﴾: عظيمةً.


(١) في م: "صلاتك".
(٢) في م: "انحرافك".
(٣) في م: "لك".
(٤) ينظر ما تقدم في ١/ ٣٩ - ١٤١، ١٧٨ - ١٨٠، ٢/ ٦٣٨، ٦٣٩.