يُنْذِرَهموه، فعصَوْه وردُّوا عليه ما أتاهم به مِن عنده: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾ إلى توحيدِك وعبادتِك، وحذَّرْتُهم بأسَك وسَطْوتَك.
﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾. يقولُ: فلم يَزِدْهم دُعائى إياهم إلى ما دعَوْتُهم إليه من الحقِّ الذى أَرْسَلْتَنى به لهم، ﴿إِلَّا فِرَارًا﴾. يقولُ: إلا إدبارًا عنه، وهرَبًا منه، وإعراضًا عنه.
وقد حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: ثنا محمدُ بنُ ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾. قال: بلَغَنا أنهم كانوا يَذْهَبُ الرجلُ بابنِه إلى نوحٍ، فيقولُ لابنِه: احْذَرْ هذا لا يُغْوِيَنَّكَ، فأُرانى قد ذهَب بي أبى إليه وأنا مثلُك، فحذَّرَنى كما حذَّرْتُك (١).
وقولُه: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾. يقولُ جلَّ وعزَّ: وإنى كلَّما دعَوْتُهم إلى الإقرارِ بوحدانيتِك، والعملِ بطاعتِك، والبراءةِ مِن عبادةِ كلِّ ما سِواك؛ لتَغْفِرَ لهم إذا هم فعَلوا ذلك، جعَلوا أصابعَهم في آذانِهم؛ لئلا يَسْمَعوا دُعائى إياهم إلى ذلك، ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾. يَقولُ: وتَغَشَّوْا في ثيابِهم، وتغَطَّوْا بها؛ لئلا يَسْمَعوا دُعائى.
وبنحوِ الذي قلْنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني يونُسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾: لئلا يَسْمَعوا كلامَ نوحٍ ﵇.
وقولُه: ﴿وَأَصَرُّوا﴾. يقولُ: وثبَتوا على ما هم عليه من الكفرِ وأقاموا عليه.
(١) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/ ٣١٩ عن معمر به. وعزاه السيوطى في الدر المنثور ٦/ ٢٦٨ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.