للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما أراد جل ثناؤُه بذلك أن اللهَ أرحمُ بعبادِه من أن يُضِيعَ لهم طاعةً أطاعُوه بها فلا يُثِيبَهم عليها، وأرأفُ بهم من أن يُؤاخذَهم بتركِ ما لم يَفرِضْ عليهم، أى: فلا تأسَوْا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلُّون إلى بيتِ المقدسِ، فإنى لهم -على طاعتِهم إياىَ بصلاتِهم التى صلَّوها كذلك - مثيبٌ؛ لأنى أرحمُ بهم من أن أُضيعَ لهم عملًا عمِلوه لى، ولا تحزَنُوا عليهم، فإنى غيرُ مؤاخِذِهم بتركِهم الصلاةَ إلى الكعبةِ؛ لأنى لم أكنْ فرضْتُ ذلك عليهما، وأنا أرأفُ بخلقى من أن أعاقِبَهم على تركِهم ما لم آمرْهم بعملِه.

وفى الرءوفِ لغاتٌ: إحداها، "رَؤُفٌ" على مثالِ (فعُل)، كما قال الوليدُ بنُ عقبةَ (١):

وشَرُّ الطّالبين (٢) فلا تَكُنْهُ … بقاتِلِ (٣) عَمِّه الرَّؤُفُ الرَّحيمُ

وهى قراءةُ عامَّةِ قرَأةِ أهلِ الكوفةِ. والأُخْرى: رَءوفٌ على مثالِ (فَعولٍ). وهى قراءةُ عامةِ قَرَأَةِ أهلِ (٤) المدينةِ. ورَئِفٌ، وهى لغةُ غَطَفَانَ، على مثالِ (فَعِل)، مثل "حَذِر". ورأْفٌ، على مثالِ (فعْل) بجزمِ الهمزِ (٥)، وهى لغةٌ لبنى أسَدٍ.


(١) البيت فى تفسير القرطبى ٢/ ١٥٨، والبحر المحيط ١/ ٤٢٧.
وللوليد بن عقبة أبيات يحض فيها معاوية على قتال على ، وهذا البيت يدور معناه فى فلك هذه الأبيات، غير أنه ليس منها. ينظر هذه الأبيات فى تاريخ الطبرى ٤/ ٥٦٤، واللسان (ح ل م).
(٢) فى البحر المحيط: "الظالمين".
(٣) فى تفسير القرطبى: "يقاتل"، وفى البحر المحيط: "يقابل".
(٤) سقط من: م. وقراءة "لرؤفٌ" هى قراءة أبى عمرو وعاصم فى رواية أبى بكر، وحمزة والكسائى، وقراءة "لرءُوفٌ" هى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم فى رواية حفص، وروَى الكسائى عن أبى بكر عن عاصم "لرؤفٌ".
(٥) فى م: "العين"، والقراءتان الأخيرتان شاذتان.