للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾. لم تُحرَسِ السماءُ في الفترةِ بينَ عيسى ومحمدٍ، فلما بعَث اللهُ محمدًا حُرِست السماءُ الدنيا، ورُمِيت الشياطينُ بالشُّهُبِ، فقال إبليسُ: لقد حدَث في الأرضِ حَدَثٌ. فأمَر الجنَّ فتفرَّقت في الأرضِ لتأتيَه بخبرِ ما حدَث، فكان أولُ مَن بَعَث نفرًا مَن أهلِ نَصِيبين، وهى أرضٌ باليمنِ، وهم أشرافُ الجنِّ وساداتُهم، فبعثهم إلى تِهامةَ وما يلى اليمنَ، فمضَى أولئك النفرُ، فأتَوا على الوادى وادِى نخلةَ، وهو من الوادِى مَسيرةَ ليلتَيْنِ، فوجَدوا به نبيَّ اللهِ يُصَلِّى صلاةَ الغداةِ، فسمِعوه يَتْلُو القرآنَ، ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ﴾، يعني: فُرِغ مِن الصلاةِ، ﴿وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٩]. يقول (١): مؤمِنين. لم يَعْلَمْ بهم رسولُ اللهِ ، ولم يَشْعُرْ أنه صُرِف إليه أحدٌ، حتى أنزَلَ اللهُ عليه: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾.

وقولُه: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾. اختَلف أهلُ التأويلِ في معنى ذلك؛ فقال بعضُهم: معناه: فآمنا به ولن نُشْرِكَ بربِّنا أحدًا، وآمَنا بأنه تعالى أمْرُ ربِّنا وسلطانُه وقدرتُه.

ذكرُ مَن قال ذلك

حدَّثني علىٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: حدثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ في قولِه: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾. يقولُ: فعلُه وأمرُه وقدرتُه (٢).

حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمِّي، قال: ثني أبي، عن


(١) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يعني".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره -كما في الإتقان ٢/ ٥٠ - من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢٧١ إلى ابن المنذر.