للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلْنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن للجَدِّ فى كلامِ العربِ معنَيَيْنِ؛ أحدُهما: الجَدُّ الذى هو أبو الأبِ أو (١) أبو الأمِّ، وذلك غيرُ جائزٍ أن يُوصَفَ به هؤلاء النفَرُ، الذين وصَفهم اللهُ بهذه الصفةِ، وذلك أنهم قد قالوا: ﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾. ومَن وصَف اللهَ بأن له والدًا (٢) أو جَدًّا، و (٣) هو أبو الأبِ أو أبو الأمِّ، فلا شكَّ أنه مِن المشرِكين. والمعنى الآخرُ: الجَدُّ الذى هو (٤) بمعنى الحَظِّ؛ يُقالُ: فلانٌ ذو جَدٍّ في هذا الأمرِ. إذا كان له حظٌّ فيه، وهو الذي يُقالُ له بالفارسيةِ: البَخْتُ. وهذا المعنى الذى قصَده هؤلاء النفَرُ مِن الجِنِّ بقيلِهم: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾. إن شاء اللهُ، وإنما عَنَوا أن حَظْوتَه من المُلكِ والسلطانِ والقدرةِ والعظمةِ عاليةٌ، فلا تكونُ له صاحبةٌ ولا ولدٌ؛ لأن الصاحبةَ إنما تكونُ للضعيفِ العاجِزِ، الذى تَضْطَرُّه الشهوةُ الباعثةُ إلى اتخاذِها له (٥)، وأن الولدَ إنما يكونُ عن شهوةٍ أزعَجته إلى البِضاعِ (٦) الذى يحدُثُ منه الولدُ؛ فقال النفَرُ مِن الجنِّ: علا مُلكُ ربِّنا وسُلطانُه وقدرتُه وعظمتُه أن يكونَ ضعيفًا ضَعْفَ خلقِه الذين تَضْطَرُّهم الشهوةُ إلى اتخاذِ (٧) صاحبةٍ، أو وِقاعِ شيءٍ يكونُ منه ولدٌ.

وقد بيَّن عن صحةِ ما قُلْنا فى ذلك إخبارُ الله عنهم أنهم [قالوا: ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾، فأخبر جلَّ ثناؤه أنهم] (٨) إنما نزَّهوا اللهَ عن اتخاذِ الصاحبةِ والولدِ


(١) في الأصل: "و".
(٢) في م: "ولدًا"
(٣) سقط من: ت ١، ت ٢.
(٤) سقط من: الأصل، ص، م، ت ١، ت ٢.
(٥) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٦) في م: "الوقاع". والبِضاع: المجامعة. التاج (ب ض ع).
(٧) في ت ٢، ت ٣: "إيجاد".
(٨) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.