للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتِّباعِ قبلتِهم، وذلك أن اليهودَ تستقبِلُ بيتَ المقدسِ بصلاتها، وأن النصارى تستقبِلُ المشرِقَ، فأنَّى يكونُ لك السبيلُ إلى اتباعِ قبلتِهم مع اختلافِ وُجوهِها؟! يقولُ: فالزَمْ قبلتَك التى أُمرتَ بالتوجُّهِ إليها، ودعْ عنك ما تقولُه اليهودُ والنصارى، وتدعُوك إليه مِن قِبلتِهم واستقبالِها.

وأما قولُه: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ فإنه يَعنى: وما اليهودُ بتابعةٍ قبلةَ النصارى، وما (١) النصارَى بتابعةٍ قبلةَ اليهودِ، فمتوجِّهةٌ نحوَها.

كما حدَّثنى موسى، قال: حدَّثنا عمرٌو، قال: حدَّثنا أسباطُ، عن السدِّىِّ: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ يقولُ: ما اليهودُ بتابِعى قبلةِ النصارَى، ولا النصارَى بتابِعى قبلةِ اليهودِ (٢). قال: وإنما أُنزِلت هذه الآيةُ من أجلِ أن النبيَّ لما حُوِّل إلى الكعبةِ، قالت اليهودُ: إن محمدًا اشتاق إلى بلدِ أبيه ومَولِده، ولو ثبَت على قبلتِنا لكنا نَرْجُو أن يكونَ هو صاحبَنا الذى ننتَظِرُ. فأنزَل اللهُ جلَّ ثناؤُه فيهم: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ إلى قولِه: ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (٣).

وحدَّثنى يونسُ بنُ عبدِ الأعلَى، قال: أخبرَنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ فى قولِه: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ مثلَ ذلك.

وإنما قلنا (٤): يعنى جلَّ ثناؤُه بذلك أن اليهودَ والنصارَى لا تجتمِعُ على قبلةٍ واحدةٍ، مع إقامةِ كلِّ حزبٍ منهم على مِلَّتِه. فقال تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ : يا محمدُ لا تُشْعِرْ نفْسَك رضا هؤلاء اليهودِ والنصارَى، فإنه أمرٌ لا سبيلَ إليه؛ لأنهم


(١) فى م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "لا".
(٢) عزاه السيوطي فى الدر المنثور ١/ ١٤٧ إلى المصنف.
(٣) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره ١/ ٢٥٥ (١٣٦٥) عن أبى زرعة، عن عمرو بن حماد به. وتقدم أوله فى ص ٦٢٤.
(٤) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣.