للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني المُثَنَّى، قال: حدَّثنا إسحاقُ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ يَعني بذلك أهلَ الكتابِ، قالوا حينَ صُرِف نبيُّ اللهِ إلى الكعبةِ: اشتاقَ الرجلُ إلى بيتِ أبيه ودينِ قومِه (١).

فإن قال قائلٌ: فأيَّةُ حُجَّةٍ كانت لأهلِ الكتابِ بصلاةِ رسولِ اللهِ وأصحابِه نحوَ بيتِ المقدسِ على رسولِ اللهِ وأصحابِه؟

قيل: قد ذكَرْنا فيما مضَى ما رُوِي في ذلك، قيل: إنهم كانوا يقولون: ما درَى محمدٌ وأصحابُه أين قِبلتُهم حتى هدَيناهم نحن! وقولَهم: يخالِفُنا محمدٌ في دينِنا ويتَّبعُ قبلَتَنا (٢)! فهي الحُجَّةُ التي كانوا يحتَجُّون بها على النبيِّ وأصحابِه، على وجهِ الخُصومةِ منهم لهم، والتَّمويهِ منهم بها على الجُهّالِ وأهلِ الغَباءِ (٣) من المشرِكين.

وقد بينَّا فيما مضَى أن معنى حِجاجِ القومِ إيّاه الذي ذَكَره اللهُ في كتابِه إنما هو (٤) الخُصوماتُ والجدالُ، فقطَع اللهُ ذلك من حُجَّتِهم وحسَمه، بتحويلِ قِبلةِ نبيِّه والمؤمِنين به، من قِبلةِ اليهودِ إلى قِبلةِ خليلِه إبراهيمَ .

فذلك هو معنى قولِ اللهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ يَعني بـ"الناس"، الذين كانوا يحتجون عليهم بما وصَفْتُ، وأما قولُه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ فإنهم مشرِكو العربِ من قريشٍ، فيما تأوَّله أهلُ التأويلِ.


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٥٨ عقب الأثر (١٣٨٧) من طريق ابن أبي جعفر به.
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٦٥٧.
(٣) في م: "العناد".
(٤) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "هي".