للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال قائلٌ: فأيّةُ حُجةٍ كانت لمشرِكي قريشٍ على رسولِ اللهِ وأصحابِه في توجُّهِهم في صلاتِهم إلى الكعبةِ؟ وهل يجوزُ أن يكونَ للمشرِكين على المؤمنين - فيما أمَرهم اللهُ به أو نَهاهم عنه - حُجةٌ؟

قيل: إن معنَى ذلك بخلافِ ما توهّمتَ وذهَبْتَ إليه، وإنما الحُجةُ في هذا الموضعِ الخصومةُ والجدلُ ومعنى الكلامِ: لئلَّا يكونَ لأحدٍ من الناسِ عليكم خُصومةٌ ودعوَى باطلٍ (١)، غيرَ مشرِكي قريشٍ، فإن لهم عليكم دعوَى باطلٍ (١) وخصومةً بغيرِ حقٍّ، بقيلِهم لكم: رجَع محمدٌ إلى قبلَتِنا، وسيرجِعُ إلى دينِنا. فذلك من قولِهم وأمانيِّهم الباطِلةِ، هي الحجةُ التي كانت لقريشٍ على رسولِ اللهِ وأصحابِه، ومن أجلِ ذلك استَثْنى اللهُ تعالى الذين ظلَموا من قريشٍ من سائرِ الناسِ غيرِهم، إذْ نفَى أن يكونَ لأحدٍ منهم في قبلتِهم التي وجَّههم إليها حُجَّةٌ.

وبمثلِ الذي قُلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذكرُ من قال ذلك منهم

حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: حدَّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدَّثنا عيسى، عن ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ قومُ محمدٍ . قال مجاهدٌ: يقولُ: حُجَّتُهم قولُهم: قد راجعْتَ (٢) قبلَتَنا (٣).


(١) في م، ت ٢: "باطلة".
(٢) في م: "رجعت".
(٣) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٤٨ إلى المصنف وعبد بن حميد، بلفظ: حجتهم … ، وفي تفسير مجاهد ص ٢١٦: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ يعني: أمة محمد ، وحجتهم قولهم: تركت قبلتنا.