فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾. وقد عَلِمْتَ بخبرِ اللهِ تعالى عنهم أنَّهم يقولون: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا﴾ [المؤمنون: ١٠٧]. وأنَّهم يقولون: ﴿رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر: ١١]. في نظائرِ ذلك، مما أخبرَ اللهُ ورسولُه عنهم أنَّهم يقولونه؟ قيل: إنَّ ذلك في بعضِ الأحوالِ دونَ بعضٍ.
وقولُه: ﴿هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾. يُخْبِرُ عنهم أنَّهم لا يَنْطِقُون في بعضِ أحوالِ ذلك اليومِ، لا أنَّهم لا يَنطِقون ذلك اليومَ كلَّه.
فإن قال: فهل مِن بُرْهانِ يُعْلَمُ به حقيقةُ ذلك؟ قيل: نعم، وذلك إضافةُ يومٍ إلى قولِه: ﴿لَا يَنْطِقُونَ﴾. والعربُ لا تُضِيفُ اليوم إلى "فعلَ"، "يفعل"، إلا إذا أرادَتِ الساعةَ من اليومِ، والوقْتَ منه، وذلك كقولِهم: آتيك يومَ يَقْدَمُ فلانٌ. وأَتيتُك يومَ زارك أخوك. فمعلومٌ أن معنى ذلك: أَتَيْتُك ساعةً زارك، أو آتِيك ساعةً يَقْدَمُ، وأنه لم يكنْ إتيانُه إيَّاه اليوم كلَّه؛ لأنَّ ذلك لو كان أخذ اليوم كلَّه لم يُضَفِ اليومُ إلى "فعل" و "يفعل"، ولكن فُعِل ذلك إذا كان اليومُ بمعنى "إذْ" و "إذا" اللَّتين يطْلبان الأفعالَ دونَ الأسماءِ.
وقولُه: ﴿فَيَعْتَذِرُونَ﴾ رُفع عطفًا على قولِه: ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ﴾. وإنَّما اخْتِير ذلك على النصب وقبلُه جحدٌ؛ لأنه رأسُ آيةٍ، قُرِن بينَه وبينَ سائرِ رءُوسِ الآياتِ التي قبلَها، ولو كان جاء نصبًا كان جائزًا، كما قال: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ [فاطر: ٣٦]. وكلُّ ذلك جائزٌ فيه، أعْنِى الرفعَ والنصبَ، كما قيل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ [البقرة: ٢٤٥]. رفعًا ونصبًا.
وقولُه: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: ويلٌ يومئذٍ للمكذِّبين بخبرِ اللهِ عن هؤلاءِ القومِ، وما هو فاعلٌ بهم يومَ القيامةِ.