للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقولُه: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾. يقولُ تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابِثون في جهنمَ، فماكثون فيها أحقابًا.

واختلَفت القرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿لَابِثِينَ﴾؛ فقرأ ذلك عامةُ قرأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ قرأة الكوفةِ: ﴿لَابِثِينَ﴾. بالألفِ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الكوفةِ: (لَبِثِين). بغيرِ ألفٍ (١). وأفصحُ القراءتينِ وأصحُّهما مخرجًا في العربيةِ قراءةُ من قرَأ ذلك بالألفِ؛ وذلك أن العرب لا تكادُ تُوقِعُ الصفةَ إذا جاءت على "فَعِل"، فتُعْمِلَها في شيءٍ وتَنْصِبَه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجلٌ بَخِلٌ بمالِه. ولا: عَسِرٌ علينا. ولا: هو خَصِمٌ لنا. لأن "فَعِل" لا يأتى صفةً إلا مدحًا أو ذمًّا، فلا يَعْمَلُ المدحُ والذمُّ في غيرِه، وإذا أرادوا إعمالَ ذلك في الاسمِ أو غيرِه جعَلوه فاعلًا، فقالوا: هو باخلٌ بمالِه، وهو طامعٌ فيما عندنَا. فلذلك قلتُ: إن: ﴿لَابِثِينَ﴾. أصحُّ مخرجًا في العربيةِ وأفصحُ. ولم أُحِلْ قراءة من قرَأ: (لَبِثينَ). وإن كان غيرُها أفصحَ؛ لأن العربَ ربما أعمَلت المدحَ في الأسماءِ، وقد يُنْشَدُ بيتُ لبيدٍ (٢):

أوْ مسحَلٌ عَمِلٌ عِصَادَةَ سَمْحَجٍ … بسَراتِها نَدَبٌ له وكُلُومُ (٣)

فأَعْمَل "عَمِلٌ" في "عِضادةَ"، ولو كانت "عامِلًا" كانت أفصحَ.


(١) قرأ حمزة وروح: (لَبثين) بغير ألف، وقرأ الباقون ﴿لَابِثِينَ﴾ بألف. ينظر النشر ٢/ ٢٩٧.
(٢) شرح ديوانه ص ١٢٥، وفيه: سَنِق، مكان: عمل. وكرواية المصنف في معاني القرآن للفراء ٣/ ٢٢٨.
(٣) المسحل: الفحل من الحُمُر، وسحيله: صوته. وعضادة سمحج: أحد شقيها. والسمحج: الأتان الطويلة الظهر. وسراتها: أعلى ظهرها والندب: خدوش وآثار، جمع نَدَبة. والكلوم: جراحات من عضه
إياها. شرح ديوان البيد ص ١٢٥.