للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٥ - ٥٨]. وهذا القولُ عندى أشبهُ بمعنى الآيةِ.

وقد رُوِى عن مُقاتلِ بن حَيَّانَ في ذلك ما حدَّثني محمدُ بنُ عبدِ الرحيمِ البَرْقيُّ، قال: ثنا عمرُو بن أبي سلمةَ، قال: سأَلْتُ أبا معاذٍ الخُراسانيَّ عن قولِ اللهِ: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾. فأخْبرَنا عن مقاتلِ بن حَيانَ، قال: منسوخةٌ، نسخَتها: ﴿فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا﴾ (١).

ولا معنى لهذا القولِ؛ لأن قولَه: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾. خبرٌ، والأخبارُ لا يكونُ فيها نسخٌ، وإنما النسخُ يكونُ في الأمرِ والنهي.

وقولُه: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا﴾. يقولُ: لا يَطْعَمون فيها بردًا يُبَرِّدُ حرَّ السَّعيرِ عنهم إلا الغَسَّاقَ، ولا شرابًا يَروِيهم من شدةٍ العطشِ الذي بهم إلا الحميمَ.

وقد زعم بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ (٢) أن البردَ في هذا الموضعِ النومُ، وأن معنى الكلامِ: لا يذوقون فيها نومًا ولا شرابًا. واسْتَشْهد لقيله ذلك بقول الكِنْديِّ (٣):

بَرَدَتْ مراشِفُها عليَّ فصَدَّني … عنها وعن قُبُلاتِها البَرْدُ

يعنى بالبردِ النُّعاسَ.

والنومُ إن كان يُبَرِّدُ غليل العطش، فقيل له من أجلِ ذلك: البردُ. فليس هو باسمِه المعروفِ، وتأويلُ كتابِ اللهِ على الأغلبِ من معروفِ كلام العربِ دونَ غيرِه.


(١) ذكره البغوي في تفسيره ٨/ ٣١٥، وابن كثير في تفسيره ٨/ ٣٣٠.
(٢) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٢٨.
(٣) هو امرؤ القيس، والبيت في ديوانه ص ٢٣١.