للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٨١ - ٨٣]. وقرَأ: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ﴾ إلى قولِه: ﴿جَدِيدٍ﴾ [سبأ: ٧]، فقال بعضُهم لبعضٍ: ما له، ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ [سبأ: ٨]: الرجلُ مجنونٌ حينَ يُخْبِرُنا بهذا؟

وقولُه: ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وكذَّب هؤلاءِ الكفارُ بحُججِنا وأدلتِنا تكذيبًا. وقيل: ﴿كِذَّابًا﴾. ولم يُقَلْ: تكذيبًا. تصديرًا على فعلِه.

وكان بعضُ نحويِّى البصرةِ يقولُ: قيل ذلك لأن "فعَّل" منه على أربعةٍ، فأراد أن يجعلَه مثلَ بابِ "أفْعَلْتُ"، ومصدرُ "أفْعَلْتُ" إفْعالًا، فقال: ﴿كِذَّابًا﴾. فجعَله على عددِ مصدرِه. قال: وعلى هذا القياسِ تقولُ: قاتَل قِتّالًا. قال: وهو من كلامِ العربِ.

وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ (١): هذه لغةٌ يمانيَةٌ فصيحةٌ، يقولون: كذَّبْتُ به كِذَّابًا، وخرَّقْتُ القميصَ خِرَّاقًا. وكلُّ (فعَّلت)، فمصدرُها "فِعَّالٌ" في لغتِهم مشدَّدةً. قال: وقال لى أعرابيٌّ مرةً على المروةِ يَسْتَفْتِيني: آلحَلْقُ أحبُّ إليك أم القِصَّارُ؟ قال: وأَنْشَدنى بعضُ بني كلابٍ (٢):

لقد طال ما ثبَّطْتَني عن صَحابتي … وعن حِوَجٍ قِضّاؤُها (٣) من شِفائِيَا

وأجْمَعَت القرأةُ على تشديد الذالِ مِن الكِذَّابِ في هذا الموضعِ، وكان الكسائيُّ خاصةً يُخَفِّفُ الثانيةَ، وذلك في قوله: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾.


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٢٩.
(٢) معاني القرآن للفراء ٣/ ٢٢٩، واللسان (ك ذ ب، ح و ج، ق ض ى) غير منسوب.
(٣) الحِوَج: جمع الحاجة. وقضاؤها: مصدر من قَضَّى، أو يعنى: اقتضاؤها. ينظر اللسان (ح و ج، ق ض ى).