للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندى أنهما قراءتان معروفتان، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.

وقولُه: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: كأنَّ هؤلاء المكذِّبين بالساعةِ، يومَ يَرَوْن أن الساعةَ قد قامت، مِن عظيمِ هولِها، لم يَلْبَثوا في الدنيا إلا عشيةَ يومٍ، أو ضُحى تلك العشيةِ. والعربُ تقولُ: آتيك العشيةَ أو غَدَاتَها، وآتيك الغَداةَ أو عشيتَها. فيجعَلون معنى الغَدَاةِ بمعنى أوَّلِ النهارِ، والعشيةَ: آخرَ النهارِ، فكذلك قولُه: ﴿إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾. إنما معناه: إلا آخرَ يومٍ أو أوَّلَه، ويُنشَدُ هذا البيتُ (١):

نحنُ صَبَحنا عامِرًا في دارِها … عشيةَ الهلالِ أو سَرارِها

يعني: عشيةَ الهلالِ، أو عشيةَ سَرارِ العشيةِ.

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾: وقتُ الدنيا في أعينِ القومِ حينَ عاينوا الآخرةَ (٢).

آخرُ تفسيرِ سورةِ "النازعات"


= إتحاف فضلاء البشر ص ٢٦٧.
(١) البيت في معاني القرآن للفراء ٣/ ٢٣٥، وتفسير القرطبي ١٩/ ٢١٠ منسوبًا إلى بعض بني عقيل.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣١٤ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.