للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضحاكَ يقولُ في قولِه: ﴿بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾. يعنى: الظباءِ (١).

وأولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ أنْ يُقالَ: إِنَّ الله تعالى ذكرُه أقسَم بأشياءَ تخنِسُ أحيانًا؛ أي تغيبُ، وتجرى أحيانًا وتكنِسُ أخرى، وكنوسُها: أن تأوِىَ في مكانسِها، والمكانسُ عندَ العربِ هي المواضعُ التي تأوِى إليها بقرُ الوحشِ والظباءُ، واحدُها مَكْنَسٌ وكِنَاسٌ، كما قال الأعشى (٢):

فلمَّا لَحِقْنا الحَيَّ أَتْلَعَ (٣) أُنَّسٌ … كَمَا أَتَلَعَتْ تَحْتَ المَكَانِسِ رَبْرَبُ (٤)

فهذه جمعُ مَكْنَسٍ، وكما قال في الكِناسِ طَرَفةُ بنُ العبدِ (٥):

كأَنَّ كِنَاسَىْ ضَالَةٍ (٦) يَكْنُفَانِها … وَأَطْرَ قِسِيٍّ تَحْتَ صُلْبٍ مُؤَيَّدِ

وأما الدَّلالةُ على أن الكِناسَ قد يكونُ للظباءِ، فقولُ أُوسِ بن حَجَرٍ (٧):

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنْزَلَ مُزْنَةً … وَعُفْرُ الظِّبَاءِ في الكِناسِ تَقَمَّعُ

فالكِناسُ في كلامِ العربِ ما وصفتُ، وغيرُ مُنكَرٍ أن يُستعارَ ذلك في المواضعِ التي تكونُ بها النجومُ مِن السماءِ، فإذْ كان ذلك كذلك، ولم يكنْ في الآيةِ دلالةٌ على أن (٨) المرادَ بذلك النجومُ دونَ البقرِ، ولا البقرُ دونَ الظباءِ، فالصوابُ أنْ يُعَمَّ بذلك كلُّ ما كانت صفتُه الخُنوسَ أحيانًا، والجَرْىَ أخرى، والكُنوسَ بآناتٍ، على ما وصَف جلَّ ثناؤُه مِن صفتِها.


(١) ينظر البحر المحيط ٨/ ٤٣٤، وتفسير ابن كثير ٨/ ٣٦٠.
(٢) ديوانه ص ٢٠١.
(٣) تلع الظبي والثور من كناسه: أخرج رأسه وسَمَا بجيده، وأتلع رأسه: أطلعه فنظر، اللسان (ت ل ع).
(٤) الربرب: القطيع من بقر الوحش، وقيل: من الظباء ولا واحد له. اللسان (ر ب ب).
(٥) ديوانه ص ١٦.
(٦) الضال: السدر البرى. اللسان (ض و ل).
(٧) ديوانه ص ٥٧.
(٨) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "ذلك".