للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك في آيةٍ أخرى فقال لهم: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ﴾ [البقرة: ٢١٤].

وبنحوِ الذي قُلنا في ذلك كان ابنُ عباسٍ وغيرُه يقولُ.

حدثني المُثَنَّى، قال: حدثنا عبدُ اللهِ، قال: حدثني معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابنِ عباسٍ، قولَه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾ ونحوِ هذا. قال: أخبرَ اللهُ سبحانَه المؤمنين أن الدنيَا دارُ بلاءٍ، وأنه مُبتَلِيهم فيها، وأمَرَهُم بالصبرِ وبشَّرهم، فقال: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. ثم أخبرَهم أنه هكذا فعَل بأنبيائِه وصِفْوَتِه؛ لتَطِيبَ أنفسُهم، فقال: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا﴾ (١).

فمعنى قولِه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾: ولَنَخْتَبِرَنَّكم، وقد أتَيْنا على البيانِ عن أن معنى الابتلاءِ الاختبارُ، فيما مضَى قبلُ (٢).

وقولُه: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾، يعني: من الخوفِ مِن العدوِّ، وبالجوعِ، وهو القَحْطُ، يقولُ: لَنَخْتَبِرَنَّكُم بشيءٍ مِن خوفٍ ينالُكم مِن عدُوِّكم، وبسَنةٍ تُصيبُكم، ينالُكم فيها مجاعةٌ وشدَّةٌ وتَعَذُّرُ المطالبِ عليكم، فتنقُصُ لذلك أموالُكمْ، وحروبٍ تكونُ بينَكم، وبينَ أعدائِكم من الكفارِ، فينقُصُ لها عددُكم، وموتِ ذَرَاريِّكم وأولادِكم، وجُدوبٍ تحدُثُ، فتَنْقُصُ لها ثمارُكم، كلُّ ذلك امتحانٌ منِّي لكم، واختبارٌ منِّي لكم؛ ليتَبَيَّنَ صادقُوكُم في إيمانِهم مِن كاذِبِيكم فيه، ويُعرفَ أهلُ البصائرِ في دينِه (٣) مِنكم مِن أهلِ النفاقِ فيه، والشكِّ والارتيابِ،


(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٦٣، ٢٦٤ (١٤١٦، ١٤١٩) من طريق عبد الله بن صالح به.
(٢) ينظر ما مضى في ١/ ٦٥٣، ٦٥٤.
(٣) في م، ت ١، ت ٢: "دينهم".