للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى: مطرًا بعدَ مطرٍ غيرَ محدودِ العددِ، وكذلك تفعلُ العربُ في كلِّ جمعٍ لم يكنْ له بناءٌ من واحدِه واثنَيهِ، فجمعُه في جميعِ الإناثِ والذكرانِ بالنونِ على ما قد بيَّنَّا، ومن ذلك قولُهم للرجالِ والنساءِ: عشرون وثلاثون (١). فإذ كان ذلك كالذى ذكَرنا، فبيِّنٌ أن قولَه: ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾. معناه: في علوٍّ وارتفاعٍ، في سماءٍ فوقَ سماءٍ، وعلوٍّ فوقَ علوٍّ. وجائزٌ أن يكونَ ذلك إلى السماءِ السابعةِ، وإلى سدرةِ المنتهَى، وإلى قائمةِ العرشِ، ولا خبرَ يقطعُ العذرَ بأنه معنيٌّ به بعضُ ذلك دونَ بعضٍ.

والصوابُ أن يقالَ في ذلك كما قال جلَّ ثناؤُه: إن كتابَ أعمالِ الأبرارِ لفى ارتفاعٍ إلى حدٍّ قد علِم اللَّهُ - جلَّ وعزَّ - منتهاه، ولا علمَ عندَنا بغايتِه، غير أن ذلك لا يقصرُ عن السماءِ السابعةِ؛ لإجماعِ الحجةِ من أهلِ التأويلِ على ذلك.

وقولُه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه لنبيِّه محمدٍ مُعَجِّبَه من عِلِّيين: وأيُّ شيءٍ أشعَرك يا محمدُ ما عِلِّيون؟!

وقولُه ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: إن كتابَ الأبرارِ لفى عِلِّيين، كتابٌ مرقومٌ. أي: مكتوبٌ بأمانٍ من اللَّهِ إياه من النارِ يومَ القيامةِ، والفوزِ بالجنةِ. كما قد ذكَرناه قبلُ عن كعبٍ والضحاكِ بن مزاحمٍ (٢).

وكما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾: رُقِم لهم (٣).

وقولُه: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾. يقولُ: يشهدُ ذلك الكتابَ المكتوبَ بأمانِ اللَّهِ


(١) ينظر معاني القرآن للفراء (٣/ ٢٤٧).
(٢) ينظر ما تقدم في ص (٢٠٨، ٢٠٩)
(٣) سقط من: م. والأثر عزاه السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٣٢٦) إلى المصنف وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.