للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: موضعُ قسمِها، واللهُ أعلمُ، على: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾. أَضْمَر اللَّامَ كما قال: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١] ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: ٩]. يريدُ - إن شاء الله -: لقد أفلَح من زكَّاها، فأَلْقَى اللَّامَ. وإنْ شئت قلتَ: على التقديمِ، كأنه قال: قُتِل أصحابُ الأخدودِ والسماءِ ذاتِ البروجِ.

وقال بعض نحويِّى الكوفةِ (١): يقالُ في التفسير: إنَّ جواب القسمِ في قولِه: ﴿قُتِلَ﴾. كما كان قسمُ ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ في قولِه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾. هذا في التفسير. قال (٢): ولم نجد العربَ تَدَعُ القسم بغيرِ لامٍ يُستقبَلُ بها أو "لا" أو "إن" أو "ما"، فإنْ يكنْ ذلك كذلك، فكأنه مما تُرِك فيه الجوابُ، ثم استُؤْنِف موضعُ الجوابِ بالخبرِ، كما قيل: يأيُّها الإنسانُ. في كثيرٍ من الكلامِ.

وأَولى الأقوالِ في ذلك عندى بالصوابِ قولُ مَن قال: جواب القسم في ذلك متروكٌ، والخبرُ مستأنَفٌ؛ لأنَّ علامة جوابِ القسمِ لا تحذفُها العربُ مِن الكلامِ إذا أجابَتْه.

وأولى التأويلين بقوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ﴾: لعن أصحابُ الأُخْدُودِ الذين أَلْقَوا المؤمنين والمؤمناتِ في الأخدودِ.

وإنما قلتُ: ذلك أولى التأويلين بالصوابِ؛ للذي ذكَرْنا عن الربيعِ من العلَّةِ، وهو أَنَّ اللهَ أَخبر أنَّ لهم عذابَ الحريق مع عذاب جهنم، ولو لم يكونوا أُحْرِقوا في الدنيا لم يكن لقولِه: ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾. معنًى مفهومٌ، مع إخباره أنَّ لهم عذابَ جهنم؛ لأنَّ عذابَ جهنم هو عذابُ الحريقِ مع سائر أنواعِ عذابِها في


(١) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٥٣.
(٢) في م، ت ٢: "قالوا".