للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل البصرة أبو عمرٍو: (لَمَا) بالتخفيفِ (١)، بمعنى: إنْ كلُّ نفسٍ لعليها حافظٌ. وعلى أنَّ اللَّامَ جوابُ "إن"، و "ما" التي بعدَها صلةٌ. وإذا كان ذلك كذلك لم يكنْ فيه تشديدٌ.

والقراءةُ التي لا أختارُ غيرَها في ذلك التخفيفُ (٢)؛ لأنَّ ذلك هو الكلامُ المعروفُ مِن كلامِ العربِ، وقد أنكَر التشديدَ جماعةٌ مِن أهلِ المعرفةِ بكلامِ العربِ، أن يكونَ معروفًا مِن كلامِ العربِ، غيرَ أنَّ الفرّاءَ (٣) كان يقولُ: لا نعرِفُ جهةَ التثقيلِ في ذلك، ونَرى أنها لغةٌ في هُذَيلٍ، يجعلون "إلا" مع "إن" المخففةِ: "لَمَّا"، ولا يجاوِزون ذلك، كأنه قال: ما كلُّ نفسٍ إلَّا عليها حافظٌ. فإن كان صحيحًا ما ذكَر الفرّاءُ مِن أنَّها لغةُ هُذَيلٍ، فالقراءةُ بها جائزةٌ صحيحةٌ، وإن كان الاختيارُ أيضًا إذا صحَّ ذلك عندَنا - القراءة الأخرى، وهى التخفيفُ؛ لأنَّ ذلك هو المعروفُ مِن كلامِ العربِ، ولا ينبغى أنْ يُتْرَكَ الأعرفُ إلى الأنكرِ.

وقد حدَّثني أحمدُ بنُ يوسفَ، قال: ثنا أبو عبيدٍ، قال: ثنا معاذٌ، عن ابن عونٍ، قال: قرأتُ عند ابن سيرين: هو ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾. فأنكَره، وقال: سبحانَ الله! سبحانَ اللهِ!

فتأويلُ الكلام إذن: إن كلُّ نفس لعليها حافظٌ من ربِّها، يحفظُ عملَها، ويُحصِى عليها ما تَكتسِبُ مِن خيرٍ أو شرٍّ.

وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.


(١) وبها قرأ يعقوب وابن كثير والكسائى وخلف. النشر ٢/ ٢١٨.
(٢) القراءتان كلتاهما صواب.
(٣) في معاني القرآن ٣/ ٢٥٤.