للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿غُثَاءً أَحْوَى﴾. قال: يعودُ يُبْسًا بعدَ خُضْرةٍ (١).

حدَّثني يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾. قال: كان بَقْلًا ونباتًا، أخضرَ، ثم هاج فيَبِس، فصار غُثاءً أَحْوَى، تَذهَبُ به الرياحُ والسُّيولُ (٢).

وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ يَرى أنَّ ذلك مِن المُؤَخَّرِ الذي معناه التقديمُ، وأنَّ معنى الكلامِ: والذي أَخْرَج المَرْعَى أحْوى. أي: أخضرَ إلى السوادِ، فجعَله غثاءً بعدَ ذلك. ويَعْتَلُّ لقوله ذلك بقول ذى الرُّمَّة (٣):

حَوَّاءُ قَرْحَاءُ أَشْراطِيَّةٌ وَكَفَتْ … فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَرَاعِيمُ (٤).

وهذا القولُ - وإن كان غيرَ مدفوعٍ أنْ يكونَ ما اشتدَّتْ خضرتُه مِن النباتِ، قد تُسمِّيه العربُ أسْوَدَ - غيرُ صوابٍ عندى؛ لخلافِه (٥) تأويلَ أهلِ التأويلِ في أنَّ الحرفَ إنما يُحتالُ لمعناه المُخْرَجِ بالتقديمِ والتأخيرِ، إذا لم يَكُنْ له وجهٌ مفهومٌ إلا بتقديمهِ عن موضعِه أو تأخيرِه، فأمَّا وله في موضعِه وجْهٌ صحيحٌ، فلا وجْهَ لطلبِ الاحتيالِ لمعناه بالتقديمِ والتأخيرِ.

وقولُه: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه:


(١) تقدم في ص ٣١٣.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره ٢٠/ ١٨.
(٣) ديوانه ١/ ٣٩٩.
(٤) روضة قرحاء: في وسطها نَوْرٌ أبيض. وقيل: القرحاء: التي بدا نبتُها. أشراطية: مُطِرَتْ بالشَّرَطَين، وهما نجمان من الحَمَل وهما قرناه، وإلى جانب الشماليِّ منهما كوكب صغير. وكَفَتْ: قَطَرَتْ. والذِّهاب: جمع ذِهْبَةٍ وهى المَطَرَةُ، وقيل: المطرةُ الضعيفة. اللسان (ق ر ح)، (ش ر ط)، (و ك ف)، (ذ هـ ب).
(٥) في م: "بخلافه".