للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون: بل أنكر جلَّ ثناؤُه حمْدَ الإنسانِ ربَّه على نِعَمِه دونَ فقرِه، وشكواه الفاقةَ. وقالوا: معنى الكلامِ: كلا، أي لم يكنْ يَنْبَغِي أَنْ يكونَ هكذا، ولكن كان يَنْبَغى أن يحمَدَه على الأمرين جميعًا؛ على الغِني والفقرِ.

وأولى القولين في ذلك عندنا بالصوابِ القولُ الذي ذكَرْناه عن قتادةَ؛ لدَلالةِ قولِه: ﴿بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾. والآياتِ التي بعدها، على أنه إنما أهان مَن أهان بأنه لا يُكْرِمُ اليتيمَ، ولا يَحُضُّ على طعامِ المسكينِ، وسائرِ المعاني التي عدَّد، وفي إبانتِه عن السببِ الذي من أجلِه أهانَ مَن أهانَ، الدَّلالةُ الواضحةُ على سببِ تكريمهِ مَن أَكْرَم، وفي تَبْيينِه ذلك عَقِيبَ قولِه: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ - بيانٌ واضحٌ عن أنَّ (١) الذي أنكَر من قولِه، ما وصَفْنا.

وقوله: ﴿كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: بل إنما أهنْتُ مَن أهنتُ مِن أجلِ أنه لا يُكْرِمُ اليتيمَ. فأخْرَج الكلامَ على الخطابِ، فقال: بل لستم تُكْرِمون اليتيمَ؛ فلذلك أهنْتُكم، ﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾.

واختلَفت القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأه مِن أهل المدينةِ أبو جعفرٍ وعامةُ قرأةِ الكوفةِ: ﴿بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ﴾. بالتاءِ أيضًا وفتحِها وإثباتِ الألفِ فيها (٢)، بمعنى: ولا يَحُضُّ بعضُكم بعضًا على طعامِ المسكينِ. وقرَأ ذلك بعضُ قرأةِ مكةَ وعامةُ قرأةِ المدينةِ، بالتاءِ وفتحِها وحذفِ الألفِ: (وَلا تَحُضُّونَ) (٣). بمعنى: ولا تأْمُرون بإطعامِ المسكينِ. وقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ البصرةِ:


(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٢) وهي قراءة أبي جعفر وحمزة وعاصم والكسائى وخلف. النشر ٢/ ٢٩٩.
(٣) وهى قراءة نافع وابن كثير وابن عامر. المصدر السابق.