للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهما علماءُ من القرأةِ، وتأويلٌ، مفهومٌ، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ. فقراءتُه إذا قُرئ على وجْهِ الفعلِ تأويلُه: فلا اقتحم العقبةَ، لا فكَّ رقبةً، ولا أطعَم (١)، ثم كان مِن الذين آمنوا. و ﴿مَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾ على التعجُّبِ والتعظيمِ. وهذه القراءةُ أحسنُ مخرجًا في العربيةِ؛ لأنَّ الإطعامَ اسمٌ، وقولُه: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. فعلٌ، والعربُ تُؤثِرُ ردَّ الأسماءِ على الأسماءِ مثلِها، والأفعالِ على الأفعالِ، ولو كان مجئُ التنزيلِ: ثم أن كان من الذين آمنوا. كان أحسنَ وأشبهَ بالإطعام والفكِّ مِن: ﴿ثُمَّ كَانَ﴾ ولذلك قلتُ: (فَكَ رَقَبَةٌ * أَوْ أَطْعَمَ (١)) أوجَهُ في العربية من الآخرِ، وإن كان للآخرِ وجهٌ معروفٌ، ووجهُه أن تُضْمَرَ فيه (٢) "أن" ثم تُلْقَى، كما قال طَرَفةُ بنُ العبدِ (٣):

ألا أَيُّهَذا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى … وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذاتِ هل أنتَ مُخْلِدِى

بمعنى: ألا أيُّهذا الزاجِرِى أنْ أَحْضُرَ الوَغَى. وفي قولِه: "أن أشهَد". الدلالةُ البيِّنةُ على أنها معطوفةٌ على "أن" أُخرى مثلِها قد تقدَّمت قبلَها، فذلك وجهُ جوازه. وإذا وجِّه الكلام إلى هذا الوجْهِ كان قولُه: ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ﴾. تفسيرًا لقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ﴾. كأنه قيل: وما أدراك ما العقبةُ؟ هي ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾. كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾. ثم قال: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ مفسِّرًا لقوله: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩ - ١١]، ثم قال: وما أدراك ما الهاويةُ؟ هي نارٌ حاميةٌ.

وقوله: (أَوْ أَطْعَمَ (١) في يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ). يقولُ: أو أطعَم (١) في يومٍ ذى مجاعةٍ. والساغبُ: الجائعُ.


(١) في الأصل: "إطعام".
(٢) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٣) تقدم في ٢/ ١٨٩.