للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ في قولِه: ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾. يقولُ: أُحَيْمِرُ (١) ثمودَ (٢).

وقولُه: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ﴾. يعنى بذلك جلَّ ثناؤُه صالحًا رسولَه ، فقال لثمودَ صالحٌ: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾: احذَروا ناقةَ اللهِ وسُقياها. وإنما حذَّرهم سُقْيا الناقةِ؛ لأنه كان تقدَّم إليهم عن أمرِ اللهِ أن للناقةِ شِرْبَ يومٍ، ولهم شِرْبَ يومٍ آخرَ غيرِ يومِ الناقةِ، على ما قد بيَّنتُ فيما مضى قبلُ (٣).

وكما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾: قَسْمُ اللهِ الذي قسَم لها من هذا الماءِ (٢).

وقولُه: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا﴾. يقول: فكذَّبوا صالحًا في خبرِه الذي أخبَرهم به، من أن الله جعَل شِرْبَ الناقةِ يومًا، ولهم شِربَ يومٍ معلومٍ، وأن الله يُحِلَّ بهم نقمتَه إن هم عقَروها، كما وصَفهم جلَّ ثناؤُه فقال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ [الحاقة: ٤]. وقد يَحتملُ أن يكونَ التكذيبُ بالعَقْرِ، وإذا كان ذلك كذلك، جاز تقديمُ التكذيبِ قبلَ العقرِ، والعقرِ قبلَ التكذيبِ، وذلك أن كلَّ فعلٍ وقَع عن سببٍ، حسُن ابتداؤُه قبلَ السببِ وبعدَه، كقولِ القائلِ: أعطَيتَ فأحسَنتَ، وأحسَنتَ فأعطَيتَ. لأن الإعطاءَ هو الإحسانُ، ومن الإحسانِ الإعطاءُ، فكذلك لو كان العَقْرُ هو سببَ التكذيبِ، جاز تقديمُ أيِّ ذلك شاء المتكلمُ، وقد زعَم بعضُهم (٤) أن قولَه: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ كلمةٌ مكتفيةٌ بنفسِها، وأن


(١) في ص، ت ٢، ت ٣: "أخير"، وفى ت ١: "أخبر".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٣٥٦ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر ما تقدم في ١٠/ ٢٨٨.
(٤) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٦٩.