للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأولى الأقوالِ في ذلك عندى بالصحةِ وأشبهُها بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: معناه: ثم ردَدناه إلى أرذلِ العُمُرِ، إلى عمرِ الخَرْفَى الذين ذهَبت عقولُهم من الهَرَمِ والكِبَرِ، فهو في أسفلِ مَن سَفَل؛ في إدبارِ العمرِ وذهابِ العقلِ.

وإنما قلنا: هذا القولُ أولى بالصوابِ في ذلك؛ لأن الله تعالى ذكرُه أخبَر عن خلقِه ابنَ آدمَ وتصريفِه في الأحوالِ، احتجاجًا بذلك على منكِرى قدرتِه على البعثِ بعدَ الموتِ، ألا ترَى أنه يقولُ: ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾. يعنى: بعدَ هذه الحُججِ. ومحالٌ أن يَحْتَجَّ على قومٍ كانوا منكِرين معنًى من المعانى بما كانوا له منكِرين، وإنما الحجةُ على كلِّ قومٍ ما (١) لا يقدِرون على دفعِه؛ مما يعايِنونه ويُحِسُّونه، أو يقِرُّون به وإن لم يكونوا له مُحِسِّين.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان القومُ كانوا (٢) للنارِ التي كان اللهُ يتوعَّدُهم بها في الآخرةِ، منكِرين، وكانوا لأهلِ الهَرَمِ والخَرَفِ من بعدِ الشبابِ والجَلَدِ شاهِدين - عُلِم أنه إنما احتَجَّ عليهم بما كانوا له معايِنين؛ من تصريفِه خلقَه، ونقلِه إياهم من حالِ التقويمِ الحسَنِ والشبابِ والجَلَدِ إلى الضعفِ والهرَمِ وفناءِ العمرِ وحدوثِ الخَرَفِ.

وقولُه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. اختلَف أهلُ التأويلِ في معنى هذا الاستثناءِ؛ فقال بعضُهم: هو استثناءٌ صحيحٌ من قولِه: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾. قالوا: وإنما جاز استثناءُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وهم جمعٌ، من الهاءِ في قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ﴾ وهى كنايةُ الإنسانِ، والإنسانُ في لفظِ واحدٍ؛ لأن


(١) في م: "بما".
(٢) سقط من: م.