للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال جلَّ ثناؤه: ﴿وَأَنَا التَّوَّابُ﴾. يقولُ: وأنا الذي أَرجِعُ بقلوبِ عبيدِي المُنْصَرِفةِ عنِّي إليَّ، والرادُّها بعدَ إدبارِها عن طاعتي، إلى طلبِ مَحبَّتي، والرحيمُ بالمُقْبِلينَ بعدَ إقبالِهم إليَّ، أَتَغَمَّدُهم منِّي بعفوٍ، وأصْفَحُ عنهم (١) عظيمَ ما كانوا اجترَمُوا فيما بيني وبينَهم بفضلِ رحمتِي لهم.

فإنْ قال قائلٌ: وكيف يُتابُ على مَن قد تاب؟ وما وجهُ قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾؟ وهل يكونُ تائبٌ إلا وهو مَتوبٌ عليه، أو مَتوبٌ عليهِ إلَّا وهو تائبٌ؟ قيلَ: ذلك مما لا يكونُ أحدُهما إلَّا والآخرُ معه، فسواءٌ قيلَ: إلَّا الذين تِيبَ عليهم فتابُوا. أو قيلَ: إلَّا الذين تابوا فإنِّي أتوبُ عليهم.

وقد بينَّا وجْهَ ذلك فيما جاءَ من الكلام هذا المجئَ في نطيرِه فيما مضَى من كتابِنا هذا، فكرِهْنا إعادتَه في هذا الموضِعِ (٢).

وبنحوِ ما قلنا في ذلك قال أهلُ التأويلِ.

ذِكرُ مَن قال ذلك

حدثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾. يقولُ: أصلَحوا فيما بينَهم وبينَ اللهِ، وبَيَّنُوا الذي جاءَهم من اللهِ فلم يكْتُموه، ولم يَجْحَدُوا به، ﴿فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (٣).

حدثني يونسُ، قال: أخبرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ في قولِه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾. قال: بيَّنُوا ما في كتابِ اللهِ للمؤمنين، ولِمَا


(١) في م، ت ٢: "عن".
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٤٧٢.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٧٠ (١٤٥٠) من طريق شيبان النحوي عن قتادة، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٦٣ إلى عبد بن حميد.