للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتى صارَا لاشتباهِهما في المعاني كالشيءِ الواحدِ. والرابعُ، أن يكون مرادًا به نَفْيُ النظيرِ عنه والشبيهِ (١). قالوا: فلمّا كانتِ المعاني الثلاثةُ مِن معاني الواحدِ مُنْتَفِيَةً عنه، صحَّ المعنى الرابعُ الذي وَصَفْناه.

وقال آخرون: معنى وحدانيتِه، عزَّ ذِكرُه، معنى انفرادِه مِن الأشياءِ، وانفرادِ الأشياءِ منه. وقالوا: إنما كان منفردًا وحدَه؛ لأنه غيرُ داخلٍ في شيْءٍ، ولا داخلٍ فيه شيْءٌ. قالوا: ولا صِفةَ (٢) لقولِ القائلِ: "واحدٌ" مِن جميعِ الأشياءِ، إلَّا ذلكَ.

وأنْكَر قائلو هذه المقالةِ المعانيَ الأربعةَ التي قالها الآخرون.

وأما قولُه جلَّ ثناؤه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، فإنه خبرٌ منه أنْ لا ربَّ للعالمين غيرُه، ولا مُسْتَوْجِبَ (٣) على العبادِ العبادةَ سواه، وأنّ كلَّ ما سواه فهُم خلقُه، والواجبُ على جميعِهم طاعتُه، والانقيادُ لأمرِه، وتركُ عبادةِ ما سواه مِن الأندادِ والآلهةِ، وهجرُ الأوثانِ والأصنامِ؛ لأنَّ جميعَ ذلك خلقُه، وعلى جميعِهم الدَّينُونَةُ له بالوحدانيةِ والأُلوُهَةِ، ولا تنبغي الأُلوهةُ إلا له، إذ كان ما بهم مِن نعمةٍ في الدنيا فمنه، دونَ ما يعبدونَه مِن الأوثانِ ويُشرِكون معه مِن الأشْراكِ (٤)، وما يصيرون إليه مِن نعمةٍ في الآخرةِ فمنه، وأن ما أشركوا معه مِن الأشْراكِ لا يَضُرُّ ولا يَنفَعُ في عاجلٍ ولا آجلٍ، ولا في دنيا ولا آخرةٍ. وهذا تنبيهٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤه أهلَ الشِّركِ به على ضَلالِهم، ودعاءٌ منه لهم إلى الأَوْبَةِ مِن كفرِهم، والإنابةِ من شركِهم، ثم عرَّفهم جلَّ ذكرُه بالآيةِ التي تَتلُوها موضعَ استدلالِ ذوِي الألبابِ منهم،


(١) في الأصل، ت ١: "التشبيه".
(٢) في م، ت ٢: "صحبة".
(٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "يستوجب".
(٤) الأشراك جمع شِرك وشريك. اللسان (ش ر ك).