للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكْرِه ما أعَدَّ لهم جلَّ وعزَّ منَ العقابِ عليه (١) على ذلك، فقال: هذا الذي فعَلَتْه هؤلاءِ الأحبارُ من اليهودِ بكتمانِهمُ الناسَ ما كتَمُوا من أمرِ محمدٍ ونبوَّتِه، مع علمِهم به، طلبًا منهم لعرَضٍ من الدنيا خَسيسٍ، وبخلافِهم أمرِي وطاعتي، وذلك من ترْكِي تطهيرَهم وتزكيتَهم وتكليمَهم، وإعدادِي لهمُ العذابَ الأليمَ بأنِّي أنزلتُ كتابي بالحقِّ فكفَروا به واخْتَلفوا فيه.

فيكونُ في ﴿ذَلِكَ﴾ حينَئذٍ! وجهان من الإعرابِ: رفعٌ، ونصبٌ، فالرفعُ بالباءِ، والنصبُ بمعنى: فعَلتُ ذلك بأنِّي أنزَلتُ كتابي بالحقِّ، فاخْتَلفُوا فيه وكفَروا به. وترَك ذكْرَ: فكفَروا به، واخْتَلفوا. اجتزاءً بدلالةِ ما ذكَر من الكلامِ عليه.

وأمّا قولُه: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾. يعني بذلك اليهودَ والنصارَى، اخْتَلفوا في كتابِ اللهِ، فكفَرتِ اليهودُ بما قصَّ اللهُ فيه من قَصصِ عيسى ابنِ مريمَ وأمِّه، وصدَّقتِ النصارَى ببعضِ ذلك وكفَروا ببعضِه، وكفَروا جميعًا بما أنْزَل اللهُ فيه من الأمرِ بتصديقِ محمدٍ ، فقال جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ : إنّ هؤلاء الذين اخْتَلفوا فيما أنزلتُ عليك (٢) يا محمدُ لفِي مُنازعةٍ ومُفارقةٍ للحقِّ، بعيدةٍ من الرُّشدِ والصوابِ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ [البقرة: ١٣٧].

كما حدَّثني موسى بنُ هارونَ، قال: حدثنا عمزو بنُ حمادٍ، قال حدثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾. يقولُ: همُ اليهودُ والنصارَى، يقولُ: هم في عداوةٍ بعيدةٍ (٣).


(١) سقط من: م.
(٢) في م: "إليك".
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٦، ٢٨٧ (١٥٣٨) من طريق عمرو به.